سياسة

كيف تؤثر خطة “الإصلاح الدستوري” على المشهد الإيطالي؟

مركز سونار الإعلامي، رؤية جديدة في مواكبة الإعلام الرقمي تابعونا على قناة اليوتيوب ليصلكم كل جديد

 

وافقت الحكومة الإيطالية، في نوفمبر الجاري، على خطة لإصلاح دستوري من شأنه أن يعزز بشكل كبير صلاحيات رئيس الوزراء؛ حيث تركز التعديلات الدستورية المقترحة من قبل حكومة جورجيا ميلوني، على إجراء انتخابات مباشرة لرئيس الوزراء، بجانب مجموعة من التغييرات الأخرى على النظام السياسي، وهي التغييرات التي تهدف ميلوني من خلالها إلى معالجة عدم الاستقرار السياسي المزمن في إيطاليا، الذي أدى إلى ظهور عدد كبير من الحكومات القصيرة العمر؛ الأمر الذي جعل من الصعب تنفيذ سياسات طويلة الأجل، وأدى إلى شعور بالإحباط بين الشعب الإيطالي.

وفي مؤتمر صحفي لها، صرحت رئيسة الوزراء الإيطالية بأنها “واثقة بأن الشعب الإيطالي سيدعم خطة حكومتها بشأن الإصلاح الدستوري”، واصفةً هذه الإصلاحات بأنها “أم كل الإصلاحات”. وفي الإطار ذاته، قالت وزيرة الإصلاحات الإيطالية ماريا إليزابيتا ألبرتي كاسيلاتي، في بيان لها: “لقد اتخذنا خطوة كبيرة نحو (إصلاح الإصلاحات) الذي سيعطي الاستقرار للبلاد، ويُعيد مركزية التصويت الشعبي”.

يقول المؤيدون إن التفويض المباشر لرئيس الوزراء من الناخبين سيمنحه شرعية أكبر – مقارنة بتعيين التكنوقراط عندما يتعثر السياسيون – ويقلص الحاجة إلى مفاوضات طويلة بين أحزاب الائتلاف الضعيفة والمنقسمة حول برنامج الحكومة الجديدة، وهو ما قد يشجع من زيادة المشاركة في العملية السياسية، لا سيما في المناطق الداخلية؛ حيث كانت نسبة إقبال الناخبين أقل تقليدياً، ومن ثم يمكن أن يؤدي إلى حكومة أكثر تمثيلاً.

التأثيرات السلبية للإصلاحات: على الرغم من وجود القليل من التفاؤل بأن هذه المرة ستكون مختلفة، فإن قوى المعارضة الرئيسية ذات الميول اليسارية، مثل حركة “5 نجوم” و”الحزب الديمقراطي”، أوضحت أنها ستعارض خطط الإصلاح؛ لأنها تعرض للخطر الضوابط والتوازنات في دستور عام 1948، الذي تم وضعه بعد الحكم الدكتاتوري لـ “بينيتو موسوليني”، ومن أبرز السلبيات التي حددتها قوى المعارضة ما يلي:

– تركيز السلطة في يد رئيس الحكومة: يقول معارضو الإصلاح إنه سيمنح رئيس الوزراء صلاحيات أكثر من اللازم ويمكن أن يقوض مبدأ الفصل بين السلطات؛ حيث إن الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء قد يؤدي إلى التركيز المفرط للسلطة في أيدي السلطة التنفيذية؛ ما قد يضعف من دور البرلمان، ويقلل الضوابط والتوازنات داخل النظام السياسي، وهو ما قد يتسبب في عدة آثار سلبية على المبادئ الديمقراطية، ويمكن أن يؤدي إلى حكم أقل تمثيلاً.

– صعوبة تحقيق الأغلبية المضمونة: هناك عيب كبير آخر أن الخطة تهدف إلى منح التحالف الذي يدعم المرشح الفائز لمنصب رئيس الوزراء ما لا يقل عن 55% من المقاعد في مجلسي البرلمان، وهو الأمر الذي قد يصعب تحقيقه، ومن ثم قد يعرقل العملية السياسية؛ ففي الوقت الراهن، فإن التحالف الذي ربما لا يحصل على أكثر من 25% من الأصوات، قد ينتهي به الأمر بسهولة إلى الحصول على أغلبية برلمانية في حال نجاحه في تحقيق ائتلاف قوي يناصره. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأغلبية المضمونة للائتلاف الحاكم ستجعل من الصعب على أحزاب المعارضة محاسبة الحكومة، نتيجة سيطرتها على مجلسي البرلمان.

– تعديلات معاكسة للتوجهات الأوروبية: يعد انتخاب رئيس الوزراء بالاقتراع المباشر أمراً غير معتاد في النظم البرلمانية الأوروبية؛ حيث يستطيع الناخبون اختيار رئيس بلادهم بشكل مباشر، كما هو الحال في فرنسا، ولكن ليس رئيس الوزراء. والجدير ذكره أن الانتخابات الرئاسية المباشرة كانت في البداية هي محور تركيز ائتلاف ميلوني اليميني في حملته الانتخابية في الفترة التي سبقت انتخابات 2022، لكنهم غيروا موقفهم فيما بعد، وقرروا التركيز على تعزيز دور رئيس الوزراء. ووفقاً للبرلماني الدستوري السابق عن الحزب الديمقراطي “ستيفانو سيكانتي”، فإن الاقتراح “شاذ تماماً مقارنة بالمقترحات المختلفة التي تمت رؤيتها حتى الآن وبالمعايير الأوروبية”.

– احتمالية التسبب في اختلال وظيفي: يقول خبراء دستوريون إن الإصلاح قد يجلب المزيد من عدم الاستقرار؛ لأنه يمزج بين أجزاء من النماذج الأجنبية، ويفتقر إلى تفاصيل حول كيفية عمل النظام السياسي في الممارسة العملية؛ لذلك واجه الاقتراح انتقادات شديدة من جيانكارلو كوراجيو الرئيس السابق للمحكمة الدستورية الإيطالية، الذي أوضح أن “الإصلاح يمكن أن يخل بتوازن القوى الدقيق، ويلزم البرلمان الإيطالي بالقرارات الانتخابية”.

ومن جانبه أيضاً، قال فرانشيسكو كليمنتي أستاذ القانون الدستوري في جامعة لا سابينزا في روما، إن “الاقتراح غير واضح ومربك وصارم بعض الشيء؛ فحتى لو تمكن الناخبون من انتخاب رئيس الوزراء بشكل مباشر، فمن الممكن أن يفقد السلطة بسهولة؛ ما يجعل سلطته أقل قوة”.

– صعوبة اعتماد هذه التعديلات: بالرغم من موافقة مجلس الوزراء عليه، من الممكن أن تواجه الإصلاحات الدستورية تعديلات في البرلمان قبل التصويت عليها، وبعدها سوف يتطلب الأمر الحصول على موافقة أغلبية الثلثين في كلا المجلسين، وهو أمر صعب للغاية؛ حيث تعهدت عدة أحزاب يسارية بالفعل بمعارضته؛ لأنه يضعف دور الرئيس والبرلمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى