تقرير: “الديمقراطية الأميركية “في الظلام حتى يتم إصلاح المحكمة العليا
قال الصحافي الأميركي جيروم شارين في مقال لصحيفة “لوموند” الفرنسية إنّ “الديمقراطية الأميركية ستبقى موضع استهزاء ما دامت أعلى هيئة قضائية في البلاد مستمرة في تشكيل قضاة تحت تأثير الحزب الجمهوري الذي يشبه طائفة سياسية دينية”.
وأشار كاتب المقال إلى أنّ “الولايات المتحدة في خضم حرب أهلية لا تذكر اسمها؛ معركة تخاض من دون أسلحة ومن دون إراقة دماء”، مشيراً إلى أنّ ذلك يُنفذ بأموال “خفية” مع المانحين الذين ليسوا مطالبين بالتصريح علناً.
ووفق الكاتب، أثار ذلك غضب المجالس التشريعية في الولايات التي تحاول بكل طريقة عرقلة حق التصويت، وتحول الحزب الجمهوري لأبراهام لنكولن إلى حزب سياسي ديني، مضيفاً أنّ هذه الطائفة هي التي تنشر الفوضى وتولد الكراهية وعدم الثقة بكل ما هو ليس أبيض ومسيحياً.
وبحسب الكاتب، “في قلب هذه التناقضات، توجد واحدة من أقدس مؤسسات الأمة: المحكمة العليا، حيث يتم تعيين القضاة مدى الحياة. وسواء كانت معتقداتهم محافظة أو تقدمية، فمن المتوقع أن يكون الأعضاء التسعة محايدين في الحكم في القضايا المعروضة عليهم”.
وتابع: “هذا الشعور بالعدالة تلاشى. نحن نتعامل اليوم مع محكمة فاسدة بقيادة زمرة من قطاع الطرق القضائيين: القضاة صامويل أليتو جونيور وكلارنس توماس ونيل غورسوش وبريت كافانو وإيمي كوني باريت، ناهيك برئيس القضاة جون روبرتس جونيور الذي ينضم أحياناً إلى العصبة” .
وبحسب الكاتب، فإنّ “هؤلاء القضاة الستة مشتركون في شيء واحد: تم دعم تعييناتهم، وحتى بمبادرة من الجمعية الفيدرالية، وهي منظمة غير ربحية تأسست لغرض وحيد هو رعاية جيش من رجال القانون الشباب الملتزمين بالقضايا المحافظة والعمل كفريق ثانٍ للمستقبل قضاة المحكمة العليا. كان هدف الجمعية الفيدرالية منذ إنشائها في أوائل الثمانينيات هو “تكميم” المحكمة العليا و”جعلها رهينة” لتبني رؤيتها وقيمها”.
واعتبر الكاتب أنّ المهندس الكبير لهذه المؤامرة لإبقاء المحكمة العليا مقيدة هو ليونارد ليو، نائب الرئيس التنفيذي السابق للجمعية الفيدرالية.
وأضاف الكاتب أنّ ليو يبدو مثل كلارك كينت في سلسلة “سمولفيل”.
وتابع شارين قائلاً إنّ استراتيجية ليونارد ليو واضحة دوماً: “علينا أن نفهم أن التعيينات القضائية الآن تشبه الحملات السياسية” ، حسبما أفادت صحيفة “واشنطن بوست” عام 2019. وقد نأت منظمات جمهورية أخرى بنفسها عن دونالد ترامب.
وسرعان ما أصبح ليو “بابا” المستشارين القانونيين للرئيس السابق، وكان لا بد من موافقة الجمعية الفيدرالية على جميع المرشحين الذين اقترحهم ترامب للمحكمة العليا، التي أنفقت ثروة على الحملات الإعلانية لتأمين مقاعد نيل جورسوش وبريت كافانو وإيمي كوني باريت. هؤلاء القضاة الثلاثة الجدد هم منظرون أيديولوجيون غير مهتمين بتعقيدات المجتمع الحديث، ويرغبون في العودة إلى أميركا الأبسط، حيث لن يكون هناك زواج من الجنس نفسه، ولا يوجد أشخاص غير ثنائيي الجنس، ولا يوجد حق في “الإجهاض”.
وجاء في التقرير المنشور، أنّ “زعيمهم ليس جون روبرتس، ولكن صموئيل أليتو، أكثر شراً بكثير من عصابة الترامبيين الثلاثة. إنّه يزين نفسه بمصطلح “الأصلاني”، أي شخص ينظر إلى مؤسسي الدستور المعتمد عام 1787 ومبادئهم التوجيهية. لا يبدو أن أليتو منزعج على الإطلاق من حقيقة أن هؤلاء المؤسسين كانوا جميعاً من الذكور البيض؛ أصحاب الأراضي الذين غالباً ما يعاملون النساء مثل الماشية”.
وبسبب حقيقة أن أكثر من نصف الموقعين على إعلان الاستقلال عام 1776 يمتلكون “عبيداً”، كان أليتو هو من كتب مسودة الرأي التي ساعدت في هدم قضية رو ضد وايد بشأن حماية حق المرأة في الإجهاض.
في العديد من الولايات “الحمراء” اللون الجمهوري، أصبحت عيادات الإجهاض منازل مسكونة؛ تحولت الهيئة التشريعية في هذه الولايات تدريجياً إلى جيش من الميليشيات، ووضعت مكافأة لأي شخص (طبيب أو جار أو قريب أو صديق) ساعد امرأة في إجراء عملية إجهاض. يبدو هذا التكتيك جديراً بالعالم البائس سريالياً، لكنه بالفعل حقيقة واقعة في الولايات المتحدة، وهو مخيف بالقدر نفسه، وهو سلوك العديد من القضاة المحافظين في المحكمة العليا. تتبع فترة ولاية القضاة الفيدراليين مدونة أخلاقية صارمة لا تنطبق على أعضاء المحكمة العليا، الذين من المفترض أن ينظموا أنفسهم بأنفسهم.
عملية احتيال
اعتبر كاتب المقال أنّ أكثرهم ذنباً هو كلارنس توماس، الذي قبل الفوائد الفلكية العينية من الملياردير هارلان كرو، وهو متبرع جمهوري لديه شغف بالقطع الأثرية النازية.
ودعا الملياردير توماس وزوجته جيني بطائرته الخاصة إلى المنتجعات التي يمتلكها. كما أعطى توماس الناشطة المحافظة جبالاً من المال، لكن القاضي روبرتس لم يجد أي خطأ في السلوك غير اللائق. هذا الأخير، شخصياً، ليس محصناً. زوجته، جين، تعمل في مجال التوظيف القانوني وساعدت في تعيين محامين شباب في الشركات التي رفعت قضايا إلى المحكمة العليا، وحصلت على أكثر من 10 ملايين دولار (9.4 مليون يورو) لخدماتها الطيبة والمخلصة.
وقد شوهت مثل هذه الأفعال سمعة المحكمة التي يقودها زوجها، ويبدو كأنها عملية احتيال، وهذه عملية احتيال بدأت بالفعل في السيطرة على حياتنا.
وأشار الكاتب إلى أنّ “الرهانات ضخمة جداً، لم يكن بإمكان “الآباء المؤسسين” للبلاد أن يتخيلوا المذبحة الجماعية للطلاب بالبنادق الهجومية، ولا ومضات العنصرية التي لا هوادة فيها، والمحاولة السخيفة من قبل الجمهوريين لتفجير فكرة الاقتراع ذاتها. الديمقراطية في غموض، وستبقى هناك حتى يتم إصلاح هذه المحكمة من النصابين للمساعدة في حماية الحريات المهددة بالانقراض. ربما فات الأوان بالفعل”.