حماقة تقريع ماكرون
الولايات المتحدة، مهما كان متواضعاً في الممارسة، لا يتوافق مع قوة الولايات المتحدة ولا يليق بالقارة الأوروبية الغنية. لا يزال التمايز الأوروبي عن الولايات المتحدة، يشكل مصدراً للغضب والإحباط في واشنطن منذ أن كان دوايت أيزنهاور رئيساً. وأولئك الذين اعترضوا على تصريحات ماكرون “المتسرعة”، حول بين الولايات المتحدة والصين قد فاتهم أنّه لم يلمح إلى قضية تايوان، ولا أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتخلى عنها وتركها لمصيرها، لكن يحق لـ”بروكسل” إدارة المنافسة مع الصين بشروطها الخاصة، وبوتيرتها الخاصة. ولا يمكن لصقور واشنطن، أن يُطالبوا أوروبا بالتسلح للدفاع عن نفسها وأنّ تظل تابعة لهم.الجدير ذكره، أنّ ماكرون دعا إلى استقلالية أوروبا عن “نهج واشنطن التصادمي مع بكين، وعن رد الفعل الصيني المفرط”، و هذا لا يتصل البتة بالموقف الأوروبي من موضوع تايوان.تصريحات ماكرون حول ضرورة ألا ينخرط الاتحاد الأوروبي مع إدمان واشنطن على سياسات العقوبات واستخدامها كسلاح في الحقيقة تصيب كل دول العالم وليس الدولة البلد المعاقب لوحده. على سببيل المثال حين انسحب الرئيس السابق دونالد ترامب بغير حكمة من “الاتفاقية النووية” مع إيران، والمعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، استخدم الوضع المالي الراجح للدولار لمعاقبة أي تجارة مع طهران ما أضر كثيراً التكتل الأوروبي، بما فيهم فرنسا. بالتالي، فليس من المستغرب أن يرغب ماكرون و الاتحاد الأوروبي، لتأمين نفسه ضد المزيد من هذه المخاطر في المستقبل.تحتاج واشنطن إلى إنهاء التناقض، بين ما تطلبه بصوت عالٍ من أن يتحمل الأوروبيون المزيد من المسؤولية عن أمنهم الدفاعي، ومن ناحية أخرى، تصرخ بصوت أعلى كُلما بدا أنّهم يتحركون في هذا الاتجاه. في النهاية، يخدم الاستقلال الاستراتيجي مصالح واشنطن: فالاتحاد الأوروبي القادر تماماً على الاهتمام بأمنه سيسمح للولايات المتحدة بتركيز مواردها في مسارح أخرى، مثل منطقة آسيا والمحيط الهادئ.