تقدير موقف

“هآرتس” تكشف حجم التباين بين الإدارة الأمريكية وحكومة العدو: أميركا تريد المنطقة العازلة والإنتقال الى المرحلة الثالثة

مركز سونار الإعلامي، رؤية جديدة في مواكبة الإعلام الرقمي تابعونا على قناة اليوتيوب ليصلكم كل جديد

يتزايد الشرخ بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحكومة نتنياهو في الكيان المؤقت حول مستقبل المواجهة العسكرية في قطاع غزة. فبينما يسعى نتنياهو وفريقه الأمني والعسكري لتحقيق أي إنجاز أو إنتصار، ولو وهمي، على فصائل المقاومة في قطاع غزة، لكي يبرر أمام جمهوره أي خطوات تراجعية او تكتيتكية لاحقاً من قبيل وقف إطلاق النار والإنطلاق بمفاوضات غير مباشرة لإطلاق سراح باقي الأسرى لدى حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية. تسعى الإدارة الأمريكية، بالمقابل، لإنشاء منطقة عازلة بين قطاع غزة والمستوطنات الصهيونية ولو اضطر الأمر لنشر قوات دولية للفصل بين الجانبين، على غرار ما يجري في جنوب لبنان، والإنتقال الى المرحلة الثالثة من المواجهة أي الإقتصار على العمليات الأمنية والعسكرية المحدودة لتصفية قادة حماس والقضاء على خلايا المقاومة.

صحيفة “هآرتس” العبرية شرحت هذا التباين بالتفصيل، في تقرير للصحافي الإسرائيلي عاموس هرئيل، بدوره موقع سونار الإعلامي، ينقل أبرز ما جاء في هذا المقال نظراً لأهمية بعض المعطيات الواردة فيه، ولمعرفة وفهم ما يمكن أن يحمله المستقبل من تطورات على صعيد هذه المواجهة.

يقول عاموس هرئيل في مقاله بصحيفة “هآرتس” بتاريخ 20-12-2023 :
يتظهر لدى المستوى السياسي والأمني فهم بأن الحرب في قطاع غزة يفضل أن تنتقل إلى المرحلة الثالثة (بعد مرحلة القصف الجوي ومرحلة العملية البرية) خلال الشهر القادم. حسب طلب الولايات المتحدة، فإن تغيير طبيعة القتال ربما يشمل الانتقال إلى إقامة منطقة عازلة على حدود القطاع، وربما أيضاً بين شمال القطاع وجنوبه. وتخفيض عدد قوات الاحتياط والانتقال إلى صيغة الاقتحامات اللوائية، بدلاً من الفرق الأربع التي تقوم الآن بعملية برية واسعة وفتاكة في جزء كبير من أراضي القطاع. تتركز النقاشات داخل إسرائيل على مسألة متى سيكون موعد الانتقال إلى هذا التغيير؛ في منتصف كانون الثاني أم في نهايته. ولكن هناك عائقاً أساسياً واحداً أمام هذا الانتقال، وهو الوضع السياسي لرئيس الحكومة الذي يخشى من انهيار الائتلاف تحت ضغط اليمين.
إدارة بايدن، وخاصة البنتاغون وقيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي، توصي إسرائيل بتغيير طبيعة العملية منذ مدة. ولكن الأمريكيين لا يحملون ساعة توقيت صلبة. هم يظهرون التفهم لعدالة الحرب الإسرائيلية مقابل مذبحة حماس في الغلاف، ويعطوننا الدعم العسكري والسياسي الكبير ويحافظون على طول نفس مدهش، إذا أخذنا في الحسبان استفزازات نتنياهو المستمرة وبعض أعضاء الجناح اليميني المتطرف في حكومته. ولكنهم قلقون أيضاً من عمليات قتل كثيفة تقع في صفوف المدنيين في غزة. وكما أشار الرئيس الأمريكي في الأسبوع الماضي، فإن الولايات المتحدة تتوقع من إسرائيل تقليص هجماتها الجوية لتقليل عدد المدنيين المصابين.

أزمة الإحتياط

هناك مشكلة أخرى توجه إسرائيل وهي أزمة غير مسبوقة وتتعلق بالأعباء المترتبة على نظام الاحتياط وتأثيره على الاقتصاد. هناك مئات الآلاف من قوات الإحتياط بقوا في الخدمة لمدة شهرين متواصلين تقريباً. وأصبحت العواقب المترتبة على ذلك بالنسبة للعائلات والشركات والتعليم مرهقة. ويبدو أنه سيكون من الضروري أخذ هذا في عين الاعتبار وإجراء تغييرات في التحضيرات في كانون الثاني.
أمريكا لا تتحفظ في خان يونس
الإدارة الأمريكية لا تتحفظ من رغبة إسرائيل في تعميق العملية في خانيونس، التي قال عنها وزير الحرب يوآف غلانت أمس إن هدفها الرئيسي هو ضرب قيادة حماس. تتقدم النشاطات هناك ببطء وحذر، خوفاً من تعاظم عدد المصابين في صفوف الجيش الإسرائيلي، وتجنباً للمس بالمخطوفين، الذين تفترض إسرائيل أن حماس تفضل الحفاظ عليهم كبوليصة تأمين قرب قادتها. و في هذا الشأن، جاءت أقوال رئيس الأركان هرتسي هليفي، التي قالها في جلسة كابنت الحرب، الإثنين، بأن الأمر استغرق عشر سنوات لتصفية أسامة بن لادن رئيس “القاعدة”، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول في 2001. وقال هليفي للوزراء إن قتل يحيى السنوار، رئيس حماس في قطاع غزة، سيستغرق إسرائيل وقتاً أقل. ولكن ثمة رسالة خفية في ذلك، وهي إمكانية انهيار العملية وتغير صورتها قبل تحقيق أهدافها.
نتنياهو والأهداف الطموحة
نتنياهو نفسه هو من صمم على الحرب رغم تحذيره بضرورة تحديد أهداف طموحة جداً منذ البداية. وهذه آمال تصطدم مع الواقع الآن. قتال الجيش الإسرائيلي بأنه كسب ثمناً باهظاً من حماس ومن سكان القطاع – قتل آلاف المخربين، وتدمير كثيف في شمال القطاع، وإبعاد كل سكان الشمال نحو الجنوب، وإضرار كبير بالسلاح والأنفاق. ما لم تفعله الحرب حتى الآن هو التسبب بانهيار كامل لمنظومة القيادة والسيطرة في حماس أو نزع الروح القتالية لدى رجالها. في إحدى المعارك الأخيرة، أسر الجيش الإسرائيلي قائد فصيل في حماس. وفي التحقيق معه، قال إنه لم يعرف قط بأن قائد كتيبته قد قتل في قصف سابق لإسرائيل. انقطع الاتصال بينهما واستمر القائد الأصغر في القتال، حسب قوله، حتى خوفاً من قائده.
نتنياهو، الذي له تجربة من بين أعضاء الحكومة والكابنيت، يعرف معنى المواجهات العسكرية جيداً. ولكن يقف على رأس سلم أولوياته، كما يبدو، بقاؤه في الحكم. لذلك، ربما يختار إدارة مواجهة مصطنعة مع الأمريكيين ليحافظ على أحزاب اليمين معه. ستنتقل الكرة في هذه الحالة إلى وزراء المعسكر الرسمي بني غانتس وغادي آيزنكوت، اللذين سيضطران لاتخاذ قرار حول متى وعلى أي صراع يجب عليهما حل الائتلاف الذي وافقا على الانضمام إليه إزاء الهجوم الإرهابي من الأسبوع الأول للحرب.
مفاوضات وارسو
في بداية الأسبوع، جرت لقاءات في وارسو هدفت مجدداً إلى تحريك المفاوضات على صفقة تبادل للمخطوفين. الرئيس الأمريكي، بواسطة رئيس الـ “سي آي ايه”، وليام برانس، يريد حث إسرائيل والوسيطة قطر أيضاً لإنقاذ المزيد من المخطوفين الإسرائيليين الأحياء، ولكن قدرته على تحقيق إختراق في المفاوضات تبدو أصعب بهدف الوصول هذه المرة الى صفقة قياساً بصفقة تشرين الثاني.

القلق في أوساط الجمهور الإسرائيلي

في غضون ذلك، تلاحظ حماس – حسب رؤيتها – وجود نقاط ضعف في أوساط الجمهور الإسرائيلي إزاء القلق المتزايد والمبرر على مصير المخطوفين الباقين، في الوقت الذي يتم فيه كل بضعة أيام الإبلاغ عن موت مخطوفين آخرين. كما يبدو، هذه هي الخلفية لنشر فيلم الحرب النفسية أول أمس الذي ظهر فيه ثلاثة من المخطوفين، ثلاثة مسنين من “كيبوتس نير عوز”. منظر المخطوفين الضعفاء والمتعبين أثار قلق عائلاتهم على صحتهم، إلى جانب ارتياحهم بسبب معرفتهم أنهم أحياء. وكشف الفيلم أيضاً شر حماس وأنها منظمة تحتجز أشخاصاً مسنين، 80 سنة تقريباً، ووضعهم الصحي سيئ، كورقة مساومة، في وقت تواصل فيه إعاقة إطلاق سراح فتيات اختطفن وتم التنكيل بهن من المشاركات في الحفلة.
ماذا عن لبنان؟
أي نقاش حول استمرار الحرب في القطاع يتعلق مباشرة بما يحدث على الجبهة اللبنانية. حتى أثناء زيارة وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أول أمس لإسرائيل، تم عرض موقف قاطع لواشنطن. سيكون الحل سياسي إزاء الشمال. وستحاول الولايات المتحدة بلورة اتفاق يتضمن إبعاد قوة الرضوان إلى خلف نهر الليطاني. ولكنه سيضطر إلى التعامل أيضاً مع النزاعات على الحدود التي لم تُحل بين إسرائيل ولبنان. بقيت إسرائيل متشككة بخصوص احتمالية نجاح هذه المبادرة، ولكنها ستعطي الوقت لهذه المبادرة.
في هذه الأثناء، يستمر حزب الله بإطلاق الصواريخ والقذائف المضادة للدروع والمسيرات على طول الحدود، حيث يتم تسجيل 5 – 10 أحداث يومياً. تجبي إسرائيل ثمناً غير قليل، وعدد القتلى الرسمي في صفوف “حزب الله” بلغ 115 قتيلاً في الشهرين والنصف الأخيرين. ولكن النجاح العملياتي هذا للجيش الإسرائيلي لا يردع “حزب الله” عن الاستمرار في إطلاق النار ولا يقنع عشرات آلاف السكان الذين اضطروا لترك بيوتهم في البلدات القريبة من الجدار باحتمالية عودة آمنة إلى بيوتهم في الفترة القريبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى