هكذا عبّرت الصحف الأجنبية عن التغيرات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط
كتب، ليوناردو جاكوبو ماريا مازوكو، الباحث في معهد واشنطن للشرق الأوسط والذي يركز على الشؤون الأمنية لمنطقة الخليج وهو أيضا محلل في شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية ومقرها واشنطن مقال تحت عنوان “التطبيع في سورية ومجلس التعاون الخليجي: التكيف مع أسلوب جديد للتعايش” ويتحدث المقال عن التقارب العربي وعودة سورية إلى جامعة الدول العربية والتغيرات الإقليمية في المنطقة.
جاء في المقال: ” تم تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية في عام 2011. في ذلك الوقت، دعمت بعض الدول العربية الجماعات المسلحة التي كانت تأمل من اسقاط النظام في سورية. ومع ذلك، بعد التدخل العسكري الروسي- الإيراني واصل نظام الأسد تحقيق نصر كبير في حلب في أوائل عام 2017 واستعاد السيطرة على جزء كبير من البلاد منذ ذلك الحين.
وقد أثبت حلفاء سورية – أي روسيا وإيران وحزب الله – أنهم حاسمون في ضمان النصر العسكري للنظام على الأرض، ولكن ليس هناك الكثير الذي يمكنهم القيام به لدعم العجز الهائل في الشرعية في سورية وتمويل مساعي إعادة الإعمار التي تبلغ عدة ملايين اللازمة في جميع أنحاء البلاد.
وعليه، تم الاجتمع في جدة في 15 نيسان لمناقشة مستقبل سورية في إطار جامعة الدول العربية، ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن للتوصل إلى توافق في الآراء حول المسار إلى الأمام.
في 7 أيار، اجتمع وزراء الخارجية العرب في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، وصوت المسؤولون رفيعو المستوى على إعادة عضوية سورية. وعلى الرغم من أن القرار أنهى عزلة سورية الدبلوماسية التي استمرت 11 عاما ومهد الطريق أمام الأسد في قمة جامعة الدول العربية المقبلة في 19 مايو في المملكة العربية السعودية، إلا أن “عملية إعادة التأهيل لا تزال تعكس واقعا مجزأ بين الدول العربية”.
قبل وبعد
كانت المملكة العربية السعودية ذات يوم واحدة من أقوى المؤيدين لتغيير النظام في سورية، وقد اتبعت بعناية تحولا جذريا في سياساتها على مدى الأشهر القليلة الماضية. وفي عدة مناسبات مؤخرا، كرر وزير الخارجية السعودي أن الدول العربية تتقارب تدريجيا حول فكرة قنوات الحوار مع دمشق. كما أدلى وزير الخارجية بتصريحات تشير إلى أن عزلة سورية أثبتت عدم جدواها. ولم تترك زيارته الرسمية إلى دمشق في منتصف نيسان أي شك حول إعادة التموضع السعودي في الملف السوري.
في نهاية المطاف، مع موافقة المملكة العربية السعودية على عودة الأنشطة الدبلوماسية في سفارتها في دمشق في 9 أيار، يخطو التقارب السعودي السوري خطوات هائلة. فالمملكة العربية السعودية وسورية كانتا في يوم من الأيام خصمين، وصديقتين الآن، تتجهان على عجل نحو إعادة تأسيس العلاقات الثنائية الكاملة. ويشير تغيير المملكة في وجهها إلى إعادة حساب رفيعة المستوى لأدوات السياسة الخارجية القابلة للتطبيق التي تمتلكها الرياض فيما يتعلق بالأسد. وإيمانا منها بأن العزلة السياسية والاقتصادية قد فشلت، تسعى المملكة العربية السعودية الآن إلى بناء نفوذ على الأسد.
وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية تستفيد الآن من أوراق اعتمادها الدبلوماسية القوية لتسريع عودة سورية إلى الجامعة العربية، إلا أن الإمارات والبحرين وضعتا الأساس خلال إعادة فتح سفارتيهما في دمشق في أواخر عام 2018. وفي حين أبقت أبو ظبي والمنامة في البداية على التمثيل الدبلوماسي على مستوى القائم بالأعمال، حملت هذه المبادرات رسالة رمزية إلى حد كبير: لا يزال لدى النظام السوري أصدقاء في دول مجلس التعاون الخليجي. ومنذ ذلك الحين، قامت الإمارات العربية المتحدة بمعظم العبء الثقيل لإعادة إضفاء الشرعية على الأسد. ومن خلال وضع نفسها كرأس حربة لاعادة هذه العلاقات، عززت الإمارات تفاعلاتها الثنائية مع سورية، وأرسلت وزير الخارجية عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق في عدة مناسبات. وقد استقبل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الأسد مرتين منذ أوائل عام 2022 وان كثافة المشاركة الدبلوماسية بين القيادتين الإماراتية والسورية تشير الى الدور المحوري لدولة الإمارات العربية المتحدة في قيادة عملية عودة العلاقات مع سورية.
ومن بين دول مجلس التعاون الخليجي التي تقاوم عودة العلاقات مع سورية، تبرز قطر باعتبارها الأكثر صخبا. وفي حين أن الدوحة متحفظة وليست معارضة للفكرة في حد ذاتها، إلا أنها تعتقد أن الانفتاح الدبلوماسي المحتمل على الأسد يجب أن يكون ناتجا عن تحسينات ملموسة من قبل النظام في التعامل مع المعارضة.
وعلى الرغم من أن الكويت أكثر اعتدالا في مقاومتها من قطر، إلا أنها أبدت أيضا بعض التحفظات بشأن عودة الأسد إلى الجامعة العربية. وبسبب التركيبة السكانية الطائفية المركبة، يبقى الملف السوري قضية مثيرة للجدل إلى حد كبير في نظر الشعب الكويتي. ومع ذلك، ليس لدى الكويت تقليد بأن تكون لاعبا جريئا في سياسة الشرق الأوسط، وعادة ما تصوغ سياساتها الخارجية من خلال السعي إلى توافق في الآراء داخل المنظمات الإقليمية متعددة الأطراف مثل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ودول مجلس التعاون الخليجي. ومع تولي المملكة العربية السعودية عصا إعادة تأهيل الأسد، من المرجح أن تستفيد الكويت من ذوبان الجليد الحالي لاختبار المياه بعناية محليا وإقليميا.
وفيما يتعلق بعمان، لطالما فضلت المواقف المحايدة بما يخص الحرب في سورية، مشددة على الأبعاد الإنسانية للصراع. وعلى غرار نظرائها العرب، قلصت عمان تمثيلها الدبلوماسي في سورية في عام 2012، لكنها امتنعت بشدة عن اتخاذ مواقف جريئة بشأن الشؤون الداخلية السورية ولم تقطع علاقاتها بالكامل مع دمشق. وباعتبارها أول دولة خليجية تعيد سفيرها الى العاصمة السورية في أوائل تشرين الأول 2020. تدعم عمان الآن علنا إعادة إدماج سورية في جامعة الدول العربية. وان اللقاء الذي جمع الأسد مع السلطان العماني هيثم بن طارق آل سعيد في أواخر شباط يؤكد العلاقات الدافئة بين الزعيمين ودعم عمان لمساعي عودة العلاقات العربية.
خطوات جديدة لسياسة دول مجلس التعاون الخليجي
إن وجود أولويات استراتيجية متباينة والسعي إلى تحقيق نتائج متعارضة ليس بالأمر غير المعتاد بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي. منذ تأسيسها في عام 1981، شهدت دول مجلس التعاون الخليجي العديد من اختبارات الإجهاد التي تتحدى بقائها.
في حين أنهت قمة العلا لعام 2021 الخلاف الأخير الذي دام ثلاث سنوات في مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها ساهمت أيضا في إعادة تشكيل ملامح السياسة الخليجية. من خلال الترحيب بقطر مرة أخرى في مجلس التعاون الخليجي، بشرت ممالك الخليج العربي بشكل غير رسمي بوضع راهن جديد حيث يحق لكل عضو في مجلس التعاون الخليجي اتباع سياسة خارجية مستقلة، ويتم رفض أي محاولات لفرض وجهات نظر الهيمنة. وبطبيعة الحال، على الرغم من أن أعضاء مجلس التعاون الخليجي قد قطعوا خطوات كبيرة في تحقيق تسوية مؤقتة دائمة قادرة على استيعاب الأجندات السياسية المختلفة، إلا أن هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به للتغلب بشكل كامل على نوع الصراعات الداخلية.
لا تزال الجهود الرامية إلى إعادة بناء الثقة المتبادلة داخل دول مجلس التعاون الخليجي في مرحلة مبكرة، وقد تدفع الخلافات التي لم يتم حلها حول القضايا الساخنة مثل عودة العلاقات مع سورية ممالك الخليج العربي إلى استئناف عاداتها التخريبية القديمة. فمن ناحية، يعكس اهتمام المملكة العربية السعودية بالملف السوري عزم المملكة على تعزيز أوراق اعتمادها القيادية الإقليمية. وفي الوقت الذي عقدت فيه صفقة التقارب السعودي- الإيراني بوساطة صينية وبعد محادثات خفض التصعيد مع الحوثيين، تنظر المملكة إلى اللحظة الجيوسياسية الحالية على أنها مواتية لدور سعودي أكثر حزما في العالم العربي. من ناحية أخرى، لا تزال قطر تنظر بعين الشك إلى التحركات الجريئة التي يقوم بها جيرانها الإقليميون.
حتى الآن، أظهر أعضاء مجلس التعاون الخليجي تصميما كافيا للتعامل مع المعارضة الداخلية بشأن مستقبل سورية السياسي سلميا. لا تزال قطر متمسكة برفض عودة العلاقات العربية مع سورية، لكنها أيضا لن تلعب دور الخصم في حملة عودة العلاقات العربية مع سورية المدعومة من السعودية داخل جامعة الدول العربية.
ماذا بعد؟
لا تزال عودة العلاقات مع سورية تستقطب بقوة دول مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، وبالنظر إلى الحقائق الجيوسياسية الحالية، والموارد الدبلوماسية الكبيرة بالفعل التي تنفق لرعاية ذوبان الجليد الإقليمي، والرغبة الواسعة النطاق في الاستقرار الدائم، فمن غير المرجح أن تؤدي ممالك الخليج العربي إلى تطرف الصراع حول مستقبل سورية السياسي، مما يعرض وحدتها المستعادة مؤخرا للخطر. ويبدو أن الرغبة المشتركة في بناء الأمن والاستقرار قد سادت على قوى الطرد المركزي والتفكير الصفري، الأمر الذي يعزز السمة الأكثر بروزا لمجلس التعاون الخليجي: قدرة أعضائه على الاحتفاظ بالحد الأدنى من الإجماع على المصالح المتبادلة.
لا يزال النظام السوري يعاني من عجز كبير في الشرعية على الساحة الدولية. لم تفعل الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكثير لثني شركائها في الشرق الأوسط عن امتناع التقارب العربي مع سورية. لكنهم يعتزمون الالتزام بالعقوبات السورية ما لم يتخذ النظام خطوات ملموسة نحو حل سياسي للصراع الأهلي على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. ونتيجة لذلك، ستتعرض الدول العربية بشكل كبير للعقوبات الغربية في سعيها للاستفادة من صفقات إعادة الإعمار المربحة والتبادلات الاقتصادية المعززة مع سورية. وفي مواجهة هذا الواقع، من المرجح أن يتحوط أعضاء مجلس التعاون الخليجي الذين اضطلعوا بدور نشط في إعادة تأهيل الأسد بعناية بين المشاركة المحسوبة في القضايا الرمزية ونهج الانتظار والترقب.
في نهاية المطاف، فإن الديناميكيات التي أطلقتها موجة النشاط الدبلوماسي الأخيرة في الشرق الأوسط تتحدث عن عزم متزايد بين اللاعبين الجيوسياسيين الإقليميين على إعادة بناء الجوار العربي. وعلى الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستكون الدول العربية قادرة وراغبة في إعادة سورية الى جامعة الدول العربية، إلا أن هذا المسعى الجماعي يوضح مرحلة جديدة في الشرق الأوسط وهي مرحلة الحوار والتعاون المتبادل. في حين، لا تزال الآراء المتضاربة والتوترات الكامنة تمثل حقيقة رئيسية في سياسة دول مجلس التعاون الخليجي كما يتضح من موقف قطر “المناهض” للأسد، أظهرت ممالك الخليج العربي تصميما قويا على تجزئة المعارضة واتباع سياسة حسن جوار مع زملائها أعضاء مجلس التعاون الخليجي.