“الديمقراطية” أم “الكارثة”؟
بقلم الصحافية والكاتبة الصينية وانغ مو يي
تستضيف الولايات المتحدة الدورة الثانية من “القمة من أجل الديمقراطية” في يومي 29 و30 مارس الجاري، وتمت دعوة حوالي 120 دولة ومنظمة من العالم للمشاركة فيها وجزء كبير منهم عبر الإنترنت. لكن تستبعد الصين وروسيا عنها رغم أنهما من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن للأمم المتحدة.
من الواضح، لا تهدف القمة إلى الديمقراطية بل تهدف إلى تأسيس كتلة أو معسكر بقيادة الولايات المتحدة بهدف عزل ومواجهة الدول التي تعدها من الأعداء والخصوم والمنافسين. وتقسم الولايات المتحدة العالم إلى دول “ديمقراطية” وأخرى “غير ديمقراطية”، وفقا لمعايير “الديمقراطية الأمريكية” هذا الأمر ذاته ينتهك الديمقراطية الحقيقية!
وأثبتت الحقائق أن “الديمقراطية الأمريكية” هي فقط عذر الولايات المتحدة لتمارس هيمنتها لتتدخل في شؤون الدول الأخرى. والتسبب في الفوضى والكوارث الإنسانية بينما كانت تروج وتفرض ديمقراطيتها في جميع أنحاء العالم.
ويصادف مارس هذا العام، الذكرى الـ20 لغزو الولايات المتحدث على العراق، بعد عشرين عاما على احتلاله. لا يزال العراق يعاني تبعات الغزو الأمريكي الذي جاء بدعوى تأسيس نظام ديمقراطي يصلح أن يعمم على دول المنطقة أجمعها. وبحسب قاعدة البيانات الإحصائية العالمية فخلال الفترة بين عامي 2003 و2021، قُتل حوالي 209 آلاف مدني عراقي في الحروب والصراعات العنيفة، وتحول نحو 9.2 مليون عراقي إلى نازحين أو أجبروا على مغادرة وطنهم. وتبلغ نسبة الفقر في العراق، 25% من مجموع السكان، البالغ عددهم أكثر من 42 مليون نسمة، وفقا لإحصائيات وزارة التخطيط العراقية مطلع 2023.
قبل عشرين عامًا اقترحت الحكومة الأمريكية إجراء “تحول ديمقراطي” في الشرق الأوسط وزعمت أنها “تعزز الديمقراطية” في العراق، ولكن ما يراه الناس الآن هو الضرر اللامتناهي الذي لحق بالعراق من خلال الترويج الإجباري للديمقراطية من قبل الولايات المتحدة.
كما أمضت الولايات المتحدة 20 عاما في تدمير دولة أخرى – وهي أفغانستان، عندما شنت الولايات المتحدة حربا في أفغانستان، عزمت الولايات المتحدة على مساعدتها في بناء دولة “ديمقراطية ومزدهرة”، لكن في 30 أغسطس 2021، انسحب الجيش الأمريكي من كابول عاصمة أفغانستان فاشلا. وانتشرت مقاطع فيديو التقطها مشاهدون بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت مئات الأفغان الذين يلاحقون طائرة عسكرية أمريكية على ممر الإقلاع في محاولة يائسة لركوبها والرحيل عن الدولة. شكلت صور سقوط أفغان من على متن طائرة عسكرية أمريكية مغادرة من مطار كابول مشاهد مأساوية لا تمحى من ذاكرة الناس. هدمت الولايات المتحدة دولة ودمرت مستقبلا لأجيال شعبها في 20 عاما فوفقا للتقرير الصادر عن الأمم المتحدة في مايو عام 2022، أن حوالي 20 مليون نسمة في أفغانستان يعانون من مجاعة خطيرة. وقتلت ما يقرب من 200 ألف أفغاني خلال عشرين عاما، وبسبب الفقر، أُجبر حوالي 3 ملايين طفل أفغاني على ترك المدرسة لكسب المال لإعالة أسرهم.
وحتى الآن تستمر الولايات المتحدة في تجميد أصول ضخمة للبنك المركزي الأفغاني بشكل غير قانوني وفرض العقوبات عليها. وفي يوم 11 فبراير عام 2022، وقع الرئيس جو بايدن أمرا تنفيذيا يقضي بمناصفة أصول البنك المركزي الأفغاني المودعة في الولايات المتحدة بقيمة حوالي 7 مليارات دولار أمريكي، ويستخدم نصفها كمصدر الأموال لتعويض المتضررين في حادث “11 سبتمبر”، أما النصف الآخر، فتم تحويله إلى حساب في البنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك. والذي يعتبر نهبا علنيا لأصول الشعب الأفغاني .
وإضافة إلى ذلك، تفرض الولايات المتحدة منذ وقت طويل العقوبات الأحادية الجانب على الدول الأخرى، وذلك وفقا لقوانينها الداخلية وقيمها الخاصة فقط، وحتى الآن، قد فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على ما يقرب من 40 دولة في العالم، مما أثر على ما يقرب من نصف سكان العالم وتسبب في كوارث إنسانية خطيرة. في فبراير/ شباط من هذا العام تعرضت مناطق شمال غرب سوريا لزلزال، لكن العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة على سوريا عرقلت وصول المساعدات الإنسانية الطارئة إلى سوريا وجهود التعامل مع الزلزال في المحافظات المتضررة. وصرح خالد حبوباتي رئيس الهلال الأحمر السوري.. إنهم بحاجة إلى المعدات الثقيلة وسيارات إسعاف وإطفاء ليتمكنوا من مواصلة عمليات الإنقاذ. لكن بسبب العقوبات الطويل المدة تفتقر سوريا إلى معدات الإنقاذ والدواء والضروريات اليومية.
في 9 فبراير/ شباط، أعلنت الحكومة الأمريكية رضوخاً للضغوط الدولية تخفيفاً مؤقتاً للعقوبات المفروضة على سوريا، وجاء ذلك بعد أربعة أيام من الزلازل القوية التي ضربت البلد يوم الاثنين، لتغيب خلال الـ72 ساعة الذهبية للإنقاذ.
قد وقع الرئيس الأمريكي آنذاك ترامب على “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا” في ديسمبر 2019 ، مستخدمًا “حماية المدنيين” كذريعة لتوسيع نطاق العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد سوريا، والتي تغطي تقريبًا جميع الصناعات المتعلقة بالاقتصاد الوطني السوري والشعب، وتسبب في أضرار جسيمة للمدنيين السوريين من خلال منع استيراد السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة والمستلزمات والمعدات الطبية الأساسية.
ما فعلته الولايات المتحدة في الدول الأخرى أظهر أنها لا تهتم بديمقراطية أبدا، بل تؤمن فقط بـ “الديمقراطية الأمريكية”. وما يسمى بأيديولوجيا “الحرية والديمقراطية” قد تم استخدامه من قبل الولايات المتحدة كسلاح للمساس باستقرار الدول الأخرى والتدخل في شؤونها الداخلية. لكن في الحقيقة، إن “الديمقراطية الأمريكية” اليوم تواجه العديد من المشاكل والأزمات النظامية داخليا، حيث تقع حوادث التمييز العنصري وإطلاق النار وتطبيق القانون بصورة عنيفة باستمرار، وتتدهور المعضلات فيها مثل سياسة المال وسياسة الهوية والتمزيق الاجتماعي واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. لكن ما زالت الولايات المتحدة تعتقد أن “الديمقراطية الأمريكية” نموذجا عالميا ومنارة للديمقراطية.