تقدير موقف

“المشهد التاريخي في دمشق”.. بعد رهان العزلة الدولية، انفتاح استراتيجي يعيد هيكلة النظام الدولي..

مركز سونار الإعلامي، رؤية جديدة في مواكبة الإعلام الرقمي تابعونا على قناة اليوتيوب ليصلكم كل جديد

بتول قصير

“لا توجد دولة أو مجموعة دول في العالم تتقدم على إيران عند الأسد”.لعلها الجملة الأشد وضوحاً والتي عبر عنها مسؤول عربي بارز ذات مرة، عن وطادة العلاقات التاريخية بين دمشق وطهران.
في مرحلة بالغة الأهمية تعيشها المنطقة والعالم، وضمن مجموعة متغيرات داخلية واقليمية ودولية اهمها انتصار سورية وإيران ومحورهما على كل المؤامرات الأمريكية الغربية الإسرائيلية التي لم تدخر جهدا باستخدام كل الوسائل والإمكانات لإسقاط هذا المحور وفك ارتباط سورية به.تصدرت زيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي لسوريا المشهد السياسي الأقليمي والدولي.فهي أتت عقب المصالحة الإيرانية-السعودية والتي تمت برعاية صينية من جهة، وبالتزامن مع الأنفتاح “السياسي” العربي على دمشق دون أي تطور لافت على المستوى الأقتصادي من جهة اخرى، ما يعني أن وجود مقاربة خاصة للانفتاح الاقتصادي تختلف تماماً عن مقاربة العلاقات السياسية.
أضف الى ان الزيارة تكتسب أهمية استراتيجية كبيرة لدمشق وخاصة على المستويين الاقتصادي والأنمائي، وتعد انطلاقة مهمة لمرحلة إعادة الاعمار في البلاد، وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم ولا سيما في مجالات الطاقة والكهرباء وغيرها من المشاريع الإنمائية والثقافية والدينية، فإن الشق السياسي ينال حصة الأسد من الزيارة، وخاصة على مستوى إعادة رسم الخرائط في منطقة الشرق الاوسط واعادة توزيع مراكز القوى بدبلوماسية المنتصر لكلا البلدين.
ولا شك أن زيارة الرئيس الإيراني لدمشق تحمل في طياتها حزمة من الرسائل، مفادها أن المصالحات المستجدة بين خصوم الأمس لا تشمل أي تراجع من جانب المحور اتجاه الثوابت.وهذه المصالحات لم تأتي من عبث بل نتيجة مقاومة سوريا وحلفائها خلال ما يقارب ال 10 سنوات من المؤامرات والضغوط الشاملة ضد إحدى القواعد الإستراتيجية للمقاومة في وجه “إسرائيل” المعنية الأولى بهذه الزيارة.
وعليه فإن أهداف الزيارة “التاريخية الكبرى”، تجلت قبل أيام من وصول الرئيس الايراني الى دمشق حيث كانت حكومة الكيان الإسرائيلي ووسائل إعلامه اكثر المهتمين بها انزعاجاً وامتعاضاً.وقد عبرت وسائل إعلام العدو عن ذلك منذ اللحظة الاولى، مؤكدة على أن الرسائل الايرانية-السورية وصلت، معتبرة أن الزيارة أتت في توقيت مهم على المستوى الإقليمي، وعنوانها يتلخص “بأن المحور انتصر والتحالف الإيراني-السوري الاستراتيجي لا يمكن كسره”.
ما يعني أن كل الرهانات الامريكية الغربية الهادفة لعزل الدولة السورية وحتى الجمهورية الاسلامية الايرانية عن محيطهما الجغرافي والقومي باءت بالفشل، ويبدو أن السحر انقلب على الساحر في هذه المسألة بعد مشهد العزل هذا في الكيان الاسرائيلي الذي يعض اصابعه غيظا من هذا النصر وهذا الانفتاح والتمدد لسورية وايران. وهو الآن يعيش عزلة عن المحيط الاجتماعي والجغرافي حتى على المستوى الداخلي فحكومة الكيان معزولة عن مستوطنيها، وعلى عكس ذلك فإن مطار دمشق يعج بالزوار أكثر، الأمر الذي لا تستسيغه كل من الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل.
إضافة على ذلك فإن الجانب الإسرائيلي لديه تصور أقرب الى الواقع بأن إيران تدرك حجم التراجع القائم في الحضور الأميركي في المنطقة الذي تترجمه التحولات النوعية لكل من السعودية وتركيا إلى منطقة بعيدة عن المظلة الأمريكية، وأن الأخيرة لم تعد تشكل الحماية لتل ابيب.خاصة وأن خللاً أصاب العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية على خلفية الانقسامات الداخلية الحاصلة في الكيان وانحياز واشنطن للمعارضة ضد نتنياهو.
وبالمجمل فإن الكيان الذي يعيش أسوأ فترة في تاريخه، وفترة لا مبالغة إن وصفت بالعجز، يرى بأن هذه الزيارة هي خطوة مفصلية على مستوى التعاون السوري الإيراني لتغيير معادلة السماء السورية، ووقف الغارات الإسرائيلية المتكررة على المدن السورية. ولا يخفي الجانب الصهيوني خشيته من أن تؤسس الزيارة لقرارات هامة على هذا الصعيد تتمثل في بناء معادلة ردع في السماء السورية والاستعداد لمتطلبات هذه المعادلة من النواحي العسكرية والسياسية.وعلى المقلب الآخر فإن عملية إعادة الإعمار ستترافق مع سعي إيران لإغلاق ملف الحرب في سوريا عبر إنهاء حالة الجماعات المتطرفة المسيطرة على الجزء الشمالي السوري، وذلك لن يتم إلا بحالة حل الخلاف بين دمشق وأنقرة من خلال فتح ملف المصالحة السورية-التركية وبالتالي إعادة التشبيك الإقليمي والدولي الصاعد مما سيؤدي الى تحجيم الدور الامريكي اكثر وأكثر.
اليوم، وأثناء الحديث عن حاجة “إسرائيل” إلى أزمة خارجية للهروب من أزماتها المتصاعدة في الداخل، بدء الربيع الحقيقي يزهر في دمشق ياسمينة بلاد الشام ومهد العروبة. والدول التي اضطهدت ابان الهيمنة الامريكية على الشرق الاوسط ومع كل الآلام التي حملتها تلك الحقبة، استعادت مكانتها ودورها في رسم خرائط العهد العالمي الجديد وهذا ما جهدت سورية للعمل لتحقيقه عندما قررت خوض معركة عنوانها اعادة التوازن للنظام الدولي وتحملت تكلفة هذه المعركة الدولية مع شركائها الاقليميين والدوليين فيحق للدولة السورية والجمهورية الاسلامية الاحتفال بالنصر. ورسالة الزيارة واضحة لا لبس فيها، هي أن حدود قوة المقاومة فيها وفي المنطقة أبعد من أن تقيدها “إسرائيل” بالاعتماد على خياراتها المحدودة.

     

     

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى