الجمهورية الأمريكية تنهار أمام أعيننا
التدهور السياسي والاقتصادي والعسكري بات أكثر وضوحا في أمريكا، والديمقراطيون مسؤولون عن التدهور.
أوين جونز – The Guardian
تبدو البلاد كدولة هرمة يقودها قائد مريض وتعاني من أزمة ثقة في أيديولوجيتها المهيمنة. وهي قوة عظمى تعاني من الإذلال الأجنبي (خاصة في أفغانستان)؛ ويكافح نظامها الاقتصادي لتلبية احتياجات معظم أفراد شعبها. وفي الواقع يبدو أن هناك بعض أوجه التشابه الغريبة بين علامات انهيار النظام السوفييتي وعلامات تراجع الجمهورية الأمريكية.
وتمثل محاولة اغتيال ترامب مزيدا من الانزلاق في الظلام. ففي وقت سابق من هذا العام، أظهر استطلاع للرأي أن أكثر من ثلث الأمريكيين يعتقدون أن الحرب الأهلية في حياتهم أمر محتمل. وفي عام 2021، حذّر عالم سياسي كندي بارز وباحث في الصراع العنيف من أن إضعاف المؤسسات الديمقراطية الأمريكية على مدى عقود قد يؤدي إلى انهيار النظام بأكمله بحلول عام 2025.
إن النظام الليبرالي، الذي كان كثيرون يعتبرونه مضادا للرصاص، ينهار الآن. لقد كانت الولايات المتحدة ثملة بسبب انتصارها الأخير في الحرب الباردة، وصوّر فرانسيس فوكوياما الولايات المتحدة في كتابه “نهاية التاريخ” بأنها الدولة المطمئنة والودية في العالم، باعتبارها الحامي الحميد للإنسانية في عيد الاستقلال.
وعلى المستوى العالمي، بدا الأمر وكأن الديمقراطيات الليبرالية أصبحت هي القاعدة، وليس الاستثناءات المحاصرة. ومن المؤكد أن وصول جورج دبليو بوش، وفظائع 11 سبتمبر، وحقول القتل في العراق، كانت بمثابة صدمة للأمريكيين التقدميين، الذين حاصرتهم أشد أزمة للرأسمالية منذ الكساد الكبير. ولكن يبدو أن باراك أوباما قد غسل هذه الخطايا، فقد كان أول رئيس أسود، يتمتع بجاذبية وثقة بالنفس وكان نموذجا للمرشح المثالي للأمريكي الليبرالي.
ويصف الكاتب ما يجري في المجر في عهد فيكتور أوربان “بالديمقراطية غير الليبرالية” التي تحافظ على زخارف الديمقراطية ولكن دون جوهر حقيقي. وربط الكاتب ذلك باستضافة ترامب لأوربان قبل وقت قصير من محاولة الاغتيال، والذي عبّر عن دعمه للمرشح الجمهوري ترامب في مارالاغو.
وقد يكون فوز ترامب مصحوبا بانتصار الجمهوريين في مجلسي الكونغرس، كما تتمتع المحكمة العليا بأغلبية محافظة. وكان ترامب قد طرح أفكارا تتعلق بإلغاء الدستور الأميركي وسجن معارضيه السياسيين، وهذا ليس مطمئنا على الإطلاق. ومن المثير للقلق أن تتم مقابلة عودة ترامب للبيت الأبيض باحتجاجات في الشوارع، والتي يمكن أن يقابلها إجراءات صارمة لكبحها.
كيف سارت الأمور بشكل خاطئ؟
الحقيقة هي أن النظام الأمريكي كان يعاني من اختلال وظيفي منذ فترة طويلة، وتتحمل النخب الديمقراطية المسؤولية جزئيا، لأن هذه النخب فشلت في القضاء على الركود الاقتصادي مما ولد تشاؤما كبيرا لدى معظم الأمريكيين، لا سيما بعد أن تضاعف العبء الضريبي على ذوي الدخل المتوسط. إضافة إلى تشويه سمعة البرامج الاجتماعية التي تستهدف الأمريكيين الفقراء وانهيارها بحجة أن العمال من ذوي الياقات الزرقاء يدفعون ثمنها. مما أدى أيضا إلى إعطاء صبغة عنصرية على أمريكا السوداء الفقيرة غير المستحقة من قبل البيض الكادحين.
أما على الصعيد العسكري فقد اتسمت المشاريع العسكرية الخارجية للنخب الديمقراطية مثل هيلاري كلينتون وجو بايدن، في العراق وأفغانستان في المقام الأول، وفي ليبيا أيضا بالاضطرابات الدموية والإذلال الدولي. واليوم، أثار بايدن غضب الناخبين الديمقراطيين الطبيعيين وألحق العار الأخلاقي بالولايات المتحدة على مستوى العالم بالتواطؤ في هياج الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل.
إن القوة العظمى التي تمر بأزمة في الداخل والخارج تخاطر بشكل ما من أشكال الحساب، كما اكتشفت القيادة السوفييتية. وسيشجع فوز ترامب الحركات اليمينية المتصاعدة في أوروبا، وسينهار النظام الليبرالي أمامنا وبالكاد بدأنا في التفكير في ما يكمن وراءه.