سياسةكيان الاحتلال

هكذا غرقنا في وحل غزة

مركز سونار الإعلامي، رؤية جديدة في مواكبة الإعلام الرقمي تابعونا على قناة اليوتيوب ليصلكم كل جديد

كتب رونين بيرغمان في صحيفة يديعوت أحرونوت انه منذ بداية الحرب بدأ المحللون يستخدمون تعبير “ينبغي أن يقال بصدق” كلما أرادوا قول شيء ما غير إيجابي أو غير لطيف أو غير مفتخر على “إسرائيل” وجهازها الأمني.

 

هذا تعبير غريب بعض الشيء. إذ كان “ينبغي أن يقال بصدق”، فما الذي فعلناه حتى الآن؟. السؤال “كيف تصرفت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تجاه جملة أنصاف الحقائق والأخطاء وصرف الانتباه والألاعيب الإعلامية باسم الوطنية المزعومة لخلق صورة شوهاء عن الوضع”… هو سؤال سيطرح حتماً ويؤدي إلى حساب النفس.

لكن إذا استخدمنا ذات اللغة فينبغي أن يقال بصدق إن كل شيء عالق. “إسرائيل” تراوح في ميدان المعركة، وتغرق في وحل غزة الذي خلقته لنفسها، وتتدهور إلى الهوة في العالم السياسي والدولي.

وثمة شيء آخر يجب أن يقال بصدق: “إسرائيل” تترك المخطوفين لمصيرهم ولا تضعهم في رأس القائمة ولا حتى ضمن المواضيع الثلاثة الأولى، في رأس سلم الأولويات. اكتملت أربعة أشهر على تفجير وقف النار وصفقة المخطوفين مع حماس. أربعة شهر في قسمها الأكبر ضاعت هباء. الكابينت ورئيسه يتصرفان بطريقة التسويف مع طاقم المفاوضات، الذي يواصل عدم تلقي ما يكفي من التفويض لخوض مفاوضات سريعة للوصول أخيراً إلى “صفقة إنسانية” تضم تحرير 40 مخطوفاً.

وعندما تنتهي، سيكون ممكناً خوض المفاوضات على الجنود المخطوفين. من ناحية، كل اللاعبين المشاركين في موضوع المفاوضات والتجربة الفاشلة يروى لهم حالياً عن تقدم؛ عن “اليومين التاليين الحرجين” وعن المرونة الكبيرة والهائلة لحكومة “إسرائيل”.

وقال أعضاء الطاقم المفاوض في المداولات التي تأجلت لثلاثة أيام بسبب دخول السبت قبل أسبوعين إن “المُلحّ هو معاناة المخطوفين في غزة”، ولا احتمال لموافقة حماس على شيء مع ذلك التفويض الذي أعطاه نتنياهو لهم. رفض نتنياهو أن يعطي أكثر، وقال لهم اعرضوا الموقف، وإذا رفضت عودوا لتلقي تفويضاً آخر… رفضت حماس، فعاد الطاقم من الدوحة إلى البلاد.

في جلسة الكابينت الأخيرة، بعد أن ضاع أسبوعان من عيش المخطوفين في جحيم غزة، نزعت الأقنعة ووقف نتنياهو بشكل قاطع مع الوزراء المتطرفين ضد حل وسط إضافي. عقب الواقع الرهيب الذي كشفت عنه المخطوفة عميت سوسانا في مقابلة مع “نيويورك تايمز”، غيّر العديد من وزراء الليكود رأيهم، وباتوا يؤيدون الآن تنازلات يعتقد رئيس الموساد أنها قد تحدث صفقة. في كل ما يتعلق بالمخطوفين، من الصعب الافتراض بأنه يمكن للأمر أن يكون أسوأ. والدليل أنه بدون صفقة ستنشغل “إسرائيل” بأمور كثيرة، ولكنهم ليسوا بينها.

في 23 أكتوبر عندما كان الجدال حول الخطوة البرية أو إعطاء فرصة للمفاوضات التي كادت تنضج لصفقة المخطوفين، كتبنا هنا، أنا وناحوم برنياع، بأنه “فضلاً عن الجدال حول توقيت المناورة، نشأت أزمة ثقة بين نتنياهو والجيش وداخل “الكابينت الضيق” و”الكابينت الموسع”. أزمة الثقة ضرر إضافي إلى ضرر 7 أكتوبر، يصعّب التركيز على الحرب وعلى اتخاذ القرارات، بما فيها القرارات الأليمة.

“إسرائيل” بحاجة الآن إلى زعامة فاعلة تركز على مهمتها. هذه “ورطة 23”. ورطة 23 أصبحت الآن ورطة 24 مع حكومة لا تؤدي مهامها، وكابينت موسع منقسم ومشلول.
ينبغي القول وبصدق إنه في معظم الأماكن والمواضيع والمستويات والمجالات التي خلق فيها عالم جديد بعد 7 أكتوبر، فإن “إسرائيل” بما فيها أسرة الاستخبارات والجيش وكذلك موضوع المخطوفين، لم تستعِد المبادرة وتكاد ظاهرة العبقرية اليهودية تختفي، إلى جانب الشقاوة الإسرائيلية وإحساس الابتكار وأمة الاستحداث. فمحافل الحكومة الثلاثة، مثل الجيش أيضاً، تعنى بردود الفعل ولا تبادر لخطوات واسعة مفعمة بالإقلاع وكثيرة الخيال.

كان ينبغي “للجيش” الإسرائيلي ورئيس الأركان هليفي أن يأتيا إلى الكابينت ويقولا إن المخطوفين يذوون، وإن “إسرائيل” ملزمة بتغيير الاتجاه، وأن تضع مصيرهم على رأس سلم الأولويات، قبل اعتبارات أخرى.
تتعلق الأمور أيضاً في كل ما يتعلق بالجيش؛ هليفي يشدد على جاهزية الجيش لتنفيذ كل خطة أو أمر يصدر عن الحكومة، فهو يساند أعمال اللواء نيتسان ألون في المفاوضات، لكنه لم يقلب الطاولة ولم يقل ما يكفي عن تضليل الجمهور، وكأن بإمكانه هزيمة حماس وتفكيكها من قدراتها العسكرية والسياسية وتحرير المخطوفين في الوقت نفسه، ومع جهة مركزية، غالنت هو المعارض المركزي للتنازل إزاء مواضيع بتر القطاع وإعادة اللاجئين إلى الشمال.

“الجيش” الإسرائيلي حسب خططه، هو نفسه لم يحقق أهدافه وليست له “سيطرة عملياتية” في أرجاء القطاع مثل تلك التي كان يفترض أن يمتلكها مع انتهاء المرحلة الثانية في نهاية كانون الأول. وحسب مصادر استخبارية أمريكية، نجح في قتل ثلث عدد رجال حماس فقط، ودمر ثلث أنفاقها فقط. منذ منتصف كانون الثاني، لم يتقدم الجيش في القطاع باستثناء عمليات موضعية فضلاً عن أنه لم يحرر مخطوفين، رغم وعد بأن هذا مرتبط بذاك. وسبب ذلك بأن نتنياهو يحبط أي محاولة لقطف ثمار سياسية مع الإنجازات العسكرية، وأنه غير مستعد للتحدث عن السلطة الفلسطينية لليوم التالي، بل ويدهور العلاقات مع الولايات المتحدة. لكن بعضاً منها أيضاً يرتبط بأداء وقدرات الجيش، وبأن الجيش وعد شيئاً يجهل إمكانية تنفيذه. الجيش لا يضرب على الطاولة ويطالب بصفقة ويقول إنه معني بوقف نار، وهذه رغبة بعض قياداته ممن هم مسؤولون عن إخفاق 7 أكتوبر، بخروج بإنجاز مهم ما وعدم التنازل إلى أن يتحقق.

“كل المسائل مرتبطة”، قال أحد قدامى وخبراء المفاوضات في المخطوفين والمفقودين بما فيها المفاوضات الحالية. “الصفقة لا تقف وحدها – مخطوفون، انسحاب، اليوم التالي، حركة الفلسطينيين شمالاً…. في الشمال – حزب الله. ثمة من لا يريد أن يحقق نهاية للمسائل؛ لأن نهاية هذه المسائل هي بداية قصص أخرى – استقالة، ولجنة تحقيق، وربما انتخابات”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى