استمرار المواجهة يصعّب على الكيان الإسرائيلي وحزب الله الحفاظ على قواعد اللعبة
نشر صحيفة معاريف أن إسقاط المسيّرة الإسرائيلية بصاروخ مضاد للطائرات أطلقه حزب الله للمرة الأولى منذ بدء الحرب، يشكل درجة إضافية، حتى أنه يُعتبر خطاً أحمر بالنسبة إلى “إسرائيل”، يستوجب الرد. فمن دون ردّ، سيحاول حزب الله، مستقبلاً، إسقاط طائرات سلاح الجو التي تحلّق في الأجواء اللبنانية، وحتى الطائرات المدنية في العمق “الإسرائيلي”.
ومن غير المستغرب أن الجيش ردّ فوراً، وكان رده استثنائياً، إذ قصفت طائرات حربية أهدافاً لحزب الله في العمق اللبناني، على بُعد 100 كيلومتر عن الحدود. وعلى الرغم من ذلك، فإن الرد كان محدوداً، وبحسب الناطق الرسمي باسم الجيش، تم توجيهه ضد منظومات الدفاع الجوي لحزب الله، والتي كانت مسؤولة عن إسقاط المسيّرة. بما معناه أن “إسرائيل لم تجنّ”، إنما ردت بشكل محدود، حتى لو كان الرد في داخل العمق اللبناني.
وبعد هذا كله، لا يزال الطرفان، “إسرائيل” وحزب الله، في النقطة نفسها، ويبدو أنهما غير معنيَين بتصعيد تدريجي، بل يفضلان الاستمرار في الوضع ذاته منذ 143 يوماً تقريباً، وإدارة مواجهة محدودة في المناطق الحدودية ضد أهداف عسكرية.
حزب الله هو الذي أشعل الحدود الشمالية، وانضم إلى “حماس”، بعد “الهجوم الإرهابي” يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وضرب “إسرائيل”. اليوم، وبعد 4 أشهر تقريباً من القتال، من الواضح أن الحديث يدور حول خطوة علاقات عامة، الهدف منها إظهار حزب الله التزامه المقاومة ضد إسرائيل، لكن في الحقيقة، نصر الله يترك “حماس” تقاتل في حرب شاملة ضد “إسرائيل” حتى آخر غزّي، ولا ينوي التضحية برجاله، أو تحويل بيروت إلى غزة ثانية.
المشكلة أن هذا غير كافٍ لتهدئة سكان الشمال الذين تم إجلاؤهم عن منازلهم، ولا يمكن التكهن بموعد عودتهم إليها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جنود الجيش على طول الحدود، الذين تحولوا إلى أهداف لحزب الله. وعموماً، يجب على الحزب أن يعلم أنه عندما يُشعل النار على طول الحدود، ويتركها مشتعلة على مدار أسابيع طويلة، يمكنه أن يفقد السيطرة.
والدليل أن الطرفين يواجهان صعوبة في الاستمرار وفق قواعد اللعبة التي قرّراها شفهياً – قبل أربعة أشهر. وحتى لو لم يكونا معنيَين بالحرب الشاملة، فإن الإصابات لدى الطرفين تغدو قاتلة أكثر فأكثر. حزب الله يضر بالمدنيين، المرة تلو الأُخرى، ويتسبب بدمار واسع في البلدات الشمالية، هذا في الوقت الذي تضرب “إسرائيل” أهدافاً للتنظيم وناشطيه، لكن يصاب أيضاً مدنيون لبنانيون. ويأتي الرد على كل هجوم، ويخرق، المرة تلو الأخرى، الخطوط الحمراء التي أقرّها الطرفان، حتى تفقد هذه الخطوط معناها في الطريق إلى تصعيد كبير.
يضاف إلى ذلك، الإحباط الكبير لدى حزب الله لأنه لا يستطيع الإشارة إلى أي إنجاز ميداني خلال المواجهة مع “إسرائيل”. طبعاً، هذا باستثناء إجلاء سكان الشمال عن منازلهم، والذي جرى بذهول، ووسط حالة فقدان السيطرة التي سيطرت على القيادتَين السياسية والعسكرية في “إسرائيل” خلال الأيام الأولى من الحرب. لكن بعد ذلك، بقي الجيش متفوقاً خلال المواجهة على الحدود، وحزب الله ينزف، وحتى الآن، فقد أكثر من 200 من مقاتليه، وليس لديه قدرة على الرد على القدرات العملياتية “لإسرائيل”، والتي تنعكس في الضربات الدقيقة التي تدفّع التنظيم “الإرهابي” الشيعي ثمناً كبيراً.
حتى الآن، لا يزال الطرفان يحافظان على قواعد اللعبة. فمثلاً، بعد اغتيال القائد في “حماس” صالح العاروري في الضاحية في قلب بيروت، اكتفى التنظيم بردّ محدود على جبل ميرون، وتحديداً، مقر القيادة الشمالية في صفد. فالمصلحة الأساسية لحزب الله كانت ولا تزال، في عدم الانجرار إلى حرب مدمرة، تجلب الدمار والخراب إلى لبنان. الأحاديث عن هدنة قريبة في غزة، تحضيراً لشهر رمضان، وكجزء من صفقة بين “إسرائيل” و”حماس”، وكذلك الجهود الدولية للتوصل إلى تفاهمات بشأن الوضع على “الحدود الإسرائيلية -اللبنانية”، والضغوط الداخلية في لبنان على حزب الله من أجل عدم جرّ الدولة إلى الهاوية – أمور كلها تشكل عوامل كابحة.
هذا كله يدفع إلى الافتراض أن الوضع الذي كان سائداً على الحدود الشمالية، هو ما سيكون – استمرار المواجهة المحدودة على طول الحدود، لا أكثر. لكن بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، من الأفضل أن ننظر إلى أفعال العدو ونياته وتحضيراته، ولا نحاول أن نخمّن ما هي هذه النيات. وأكثر من ذلك، إن المواجهة المستمرة منذ أكثر من 143 يوماً لها ديناميتها الخاصة.
وحتى الآن، نحن لا نزال أمام السؤال نفسه، وهو إلى متى ستقبل “إسرائيل” الواقع الدامي على طول الحدود الشمالية، ومتى ستفقد صبرها. الجواب عن ذلك موجود لدى القيادتَين، العسكرية والسياسية، في “إسرائيل”.
كل ذلك بحسب ما جاء في صحيفة معاريف العبرية