سياسة

ما مستقبل أمن القرن الأفريقي بعد انسحاب “أتميس”؟

مركز سونار الإعلامي، رؤية جديدة في مواكبة الإعلام الرقمي تابعونا على قناة اليوتيوب ليصلكم كل جديد

جاء تأجيل الانسحاب بعد مطالبات قدمتها الحكومة الصومالية لهيئة الأمم المتحدة، ودعمتها مطالبات من حكومات الدول المشاركة في التحالف، وأبرزها إثيوبيا وكينيا وأوغندا، ومن ثم يمكن تفسير ذلك على النحو التالي:

1– مخاوف الحكومة الصومالية من حدوث فراغ أمني بالبلاد: تخشى الحكومة بقيادة الرئيس حسن شيخ محمود من حدوث فراغ أمني في البلاد عقب انسحاب أتميس؛ ما قد يؤدي إلى عودة نفوذ حركة شباب المجاهدين إلى المناطق التي استطاعت القوات دحرها منها أو تقليل نفوذها بها. ومع انخفاض مستوى الأمن في البلد، يُحتمل أن تتزايد الاضطرابات السياسية؛ ما قد يؤجج حدوث نزاع على السلطة يهدد بقاء الحكومة الحالية، ويُعود بالبلاد إلى مربع الحروب الأهلية التي قد تتجدد إذا تراخت القبضة الأمنية.

2– تنامي الهجمات الإرهابية لحركة الشباب: صرحت الأمم المتحدة بأن الصومال خسر 1289 من المدنيين من جراء تنامي الهجمات الإرهابية لحركة الشباب منذ مطلع 2023 فقط؛ إذ يُنذر تزايد النشاط الإرهابي في المنطقة بارتفاع معدل العمليات الإرهابية ومن ثم زيادة سقوط الضحايا في صفوف المدنيين. وعبرت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا مارثا أكيا بوبي، خلال زيارتها قوات التحالف الأفريقي بالصومال، مطلع نوفمبر الجاري، عن المسؤولية الأممية عن دعم استقرار مقديشو ومساعدة قواتها على تحقيق الأمن، والحيلولة دون استغلال الجماعات الإرهابية لانسحاب أتميس.

3– قلق إقليمي من تبعات طموح تنظيم القاعدة: يؤدي طموح تنظيم القاعدة إلى بسط فرع قوي له في منطقة القرن الأفريقي عبر استخدام حركة شباب المجاهدين إلى تزايد المخاوف لدى دول الجوار من ضم مناطق في بلدانهم إلى معسكر النفوذ الإرهابي، فضلاً عن تصاعد نسب الهجمات استغلالاً لضعف الأمن الحدودي.

إذ إن زيادة الهجمات داخل الدول المجاورة يؤدي إلى زيادة الرقعة الجغرافية للمواجهات العسكرية ضد حركة الشباب؛ ما يضاعف الكلفة الاقتصادية للملف، ويزيد من إنهاك قوى الأمن وتشتُّت خطوط معاركها، بالأخص لدى الدول التي تعاني من إشكاليات داخلية، كالصراعات العرقية والطائفية والنعرات الانفصالية، لا سيما إثيوبيا، التي تتصاعد داخلها الصراعات بين الحكومة المركزية ومتمردي إقليم تيجراي.

4– تفاقم الدور الإرهابي المدفوع دولياً: يمثل ارتباط نشاط حركة الشباب بأجندة دولية ذات مصالح خاصة بالمنطقة، هاجساً لدى الدول الإقليمية والدول صاحبة الاستثمارات الكبرى بالقرن الأفريقي، والدول التي ترتبط مصالحها الحيوية بالمنطقة؛ إذ صاغت الأمم المتحدة اتهامات مباشرة لإيران باستخدام حركة الشباب لدعم اقتصادها عبر السطو على مناجم الفحم بالصومال، وتسهيل مبيعات طهران من المنتجات المتأثرة بالعقوبات الأمريكية على النظام، ومن ثم فإن هذه العلاقة، بما يغذيها من أطروحات حول احتضان إيران القيادات المركزية بتنظيم القاعدة، وعلى رأسهم سيف العدل؛ تزيد من تعقيد المشهد الأمني بالصومال؛ نظراً إلى وجود دعم دولي لحركة الشباب الإرهابية.

5– تأثير التقلبات المناخية على الاستقرار الداخلي “الهش”: تحتاج الظروف المناخية المضطربة التي تعيشها البلاد، قوات أمنية عالية التدريب، ولديها كفاءة قتالية ولوجستية تُمكنها من حفظ الأمن أثناء الكوارث الطبيعية، وما يتبعها من إجراءات استثنائية، وبالأخص مع أوضاع اقتصادية متدهورة بالأساس. ومن ثم فان ترك أي احتمالات للفراغ الأمني خلال الوضع الحالي سيُعمِّق الأزمة؛ فبعد الجفاف الذي اجتاح الصومال وأدى إلى تشريد الملايين ومعاناتهم من الجوع والعطش، اجتاحت فيضانات مفاجئة جنوب غرب البلاد؛ ما أدى إلى غرق بعض القرى ونزوح أهلها.

6– توترات أمنية بفعل التنافس المتواصل بين القاعدة وداعش: تمثل المعاقل الرئيسة للتنظيمات الإرهابية متغيراً في غاية الأهمية يرتبط بالمنافسة على المواقع، وكذلك استمرارية التنظيم وقدرته على الحشد، ودعم الروابط بين الأيديولوجيات المختلفة وعناصر الصفوف الدنيا بالتنظيمات. ويُعَد فرع حركة الشباب من الفروع الأساسية لتنظيم القاعدة في شرق أفريقيا. ومن ثم يسعى التنظيم إلى الحفاظ عليه؛ ما يزيد صعوبة اقتلاعه، ومع الضعف الذي يعتري المعقل الرئيسي للقاعدة في أفغانستان فإن التنظيم سيناضل من أجل الحفاظ على فرعه البارز في القرن الأفريقي.

مظاهر حركية

يتسم نشاط حركة الشباب بالصومال ببعض المظاهر التي تأثرت بطبيعة الأحوال السياسية والاقتصادية في البلاد، بجانب ارتباط الحركة نفسها بتنظيم القاعدة باعتبارها جزءاً من مشهد (الجهادية الدولية)؛ إذ تؤثر تلك المظاهر على طبيعة الاستهدافات وكذلك المواجهة الأمنية، وتتضح هذه المظاهر عبر ما يلي:

1– استهداف القواعد العسكرية الموجودة بالصومال: تستهدف حركة الشباب القواعد العسكرية للقوات الأجنبية الموجودة بالصومال لتظهر مدى قدرتها على اختراق النظام الأمني بالبلاد، على الرغم من المساعدات الدولية، وتستخدم ذلك في الترويج إعلامياً لقوتها بالمنطقة، كما أن هذه الاستهدافات تضغط على حكومات العناصر الدولية المشاركة عسكرياً، لكنها في الوقت ذاته تلفت النظر إلى أهمية مضاعفة الوجود الأمني بالبلاد.

2– استمرار الهجمات ضد المؤسسات الحكومية: تبقى هجمات شباب المجاهدين ضد مؤسسات الدولة من الأهداف المهمة التي تضعها الحركة ضمن أجندتها لمحاولة التماسك وإعادة تجميع الصفوف، باعتبارها دعايةً مضادةً للتقارير الحكومية حول قدرة العمليات العسكرية الداخلية بمساعدة قوات الاتحاد الأفريقي في التغلب على عناصر الحركة في بعض مناطق وسط وغرب البلاد؛ إذ وضع الرئيس حسن شيخ محمود مكافحة الإرهاب والقضاء على حركة الشباب أولويةً لعمل حكومته منذ وصوله إلى السلطة في مايو 2022.

3– تنفيذ هجمات على الفنادق والمواقع السياحية: تمثل المناطق السياحية بوجه عام أهدافاً استراتيجيةً لجماعات الإرهاب، وفي حالة شباب المجاهدين، فإنها لا تزال تستخدم الاستراتيجية ذاتها لتشكك في التقارير الرسمية حول قدرة الجيش الصومالي على حفظ الأمن؛ إذ أدى استهداف الحركة فندقاً بمقديشو في يونيو الفائت إلى إعادة التساؤلات حول إمكانية وصول الإرهابيين إلى المناطق ذات الحراسات المشددة في العاصمة، ومدى تأثير المرحلة الأولى من انسحاب أتميس على حالة الأمن في البلاد.

4– مُساهمة “الشباب المجاهدين” في تمويل “القاعدة”: إن العلاقة بين تنظيم القاعدة وحركة الشباب لا تحكمها فقط الأبعاد العقائدية، بل هي مرتكز أفريقي استراتيجي للإنفاق على التنظيم؛ إذ تشير الأمم المتحدة إلى أن الحركة تنقل ملايين الدولارات عبر الحسابات المصرفية بالبلاد، وتغطي عملياتها المالية بتحويلات بنكية للزكاة وجمع الصداقات.

كما أن الإتاوات التي تفرضها الحركة على المواطنين، مستندةً إلى سطوتها العسكرية وضعف قدرات الدولة في بعض المناطق؛ تُمثِّل مصدر دخل هائل لها، يجعل من الحفاظ على وجودها في المنطقة أمراً حيوياً لتنظيم القاعدة. ومن ثم اعتمدت استراتيجية الحكومة الصومالية في مواجهتها للشباب على محاولة قطع الإمدادات المالية بين القادة والعناصر لإضعاف الحركة، وأعلنت السلطات مطلع نوفمبر الحالي إلقاء القبض على مسؤول الإتاوات بالشباب في محافظة غلغدود، ويدعى عباس عرايي غروبشي.

5– توظيف العقيدة للضغط على قادة القبائل الصومالية: تضغط حركة شباب المجاهدين على القبائل الصومالية بتكفير عقيدتهم؛ لاشتراكهم مع الحكومة في الحرب ضدها، بجانب الانخراط في الأنشطة السياسية والأمنية للنظام بوجه عام. وتسعى الحركة إلى استمالة العناصر والمواطنين أصحاب الهويات المضطربة ضد قيادات القبائل عبر ذلك المدخل.

وبدورها تخوض الحكومة معركة تنويرية للتصدي للدعاية المتطرفة للحركة؛ إذ دشنت قناة في نوفمبر 2022 باسم دلجر للرد على مزاعم شباب المجاهدين وتعضيد استراتيجية مكافحة الإرهاب. ومن جهة أخرى فإن انتفاضة القبائل ضد حركة الشباب وتعاونها مع الحكومة يزيد من مخاوف قادتها إزاء انهيار الأمن؛ تحسباً لعمليات انتقام قد تلجأ إليها الحركة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى