استراتيجيةرأي الصحافة

“12 أيلول 2005” يوم الهروب… إلى خارج فلسطين

مركز سونار الإعلامي، رؤية جديدة في مواكبة الإعلام الرقمي تابعونا على قناة اليوتيوب ليصلكم كل جديد

انسحاب قوات الإحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة في 12 أيلول عام 2005، شكّل “حدثا استثنائيا” في التاريخ الفلسطيني المعاصر، وتحوّلاً في مسار المواجهة، بعد إخلاء 21 مستوطنة تحت تأثير صمود مليوني فلسطيني، ومقاومة شرسة أنهكت الصهاينة، بعد احتلال دام 38 عاما.
انسحاب المستوطنون وقوّات الإحتلال لم يتحقّق إلا بتصاعد العمليات النوعية للمقاومة الفلسطينية، خاصةً مع انطلاق الانتفاضة عام 2000، وما عُرف ب”حرب الأنفاق” التي استهدفت مواقع محصنة للجيش الإسرائيلي في القطاع منذ العام 2003، الأمر الذي رفع الكلفة الأمنية على حكومة الاحتلال، ما دفع “أرييل شارون” إلى إطلاق خطة “فك الارتباط” بحجة تخفيف الأعباء الاقتصادية والمادية على الكيان، لكنّ الفلسطينيون قد نجحوا بترسيخ واقع أنّ (إنسحاب تل أبيب حصل تحت ضربات المقاومة الموجعة).

وكانت هذه المستوطنات تحتل نحو 35% من مساحة القطاع الساحلي الصغير (360 كيلومترا مربعا) منذ احتلاله عام 1967، وقد شكّلت الأراضي الزراعية الخصبة، والمياه الجوفية العذبة والكثبان الرملية كنزا حقيقيا للاحتلال ينهبها وينقلها إلى الأراضي الأخرى التي احتلها في فلسطين، ما حرم الفلسطينيين من حقهم وحرية الحركة والتنقل داخل القطاع.
واستخدمت الفصائل الفلسطينية في مواجهتها مع الإحتلال كل الأدوات والخيارات، وابتكرت أسلوبا جديدا تمثّل في حفر الأنفاق واستهداف المواقع العسكرية الصهيونية، ولعل أبرز هذه العمليات، عملية موقع “ترميد” في سبتمبر عام 2001، وعملية موقع “حردون” في ديسمبر عام 2003، وعملية “براكين الغضب” في كانون الأول عام 2004، وعملية “محفوظة” في حزيران العام 2004 حين نسف المجاهدون موقعاً عسكرياً كان يطلق عليه “موقع محفوظة”، وهو ثكنة عسكرية حصينة وسط القطاع، وقالت المقاومة بأنّ العملية قد نفّذت “ردا على جريمتي اغتيال القائدين الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي”، وقد قلبت هذه العمليات معادلة الصراع مع الإحتلال ودفعته للهروب.

لم يقوى الصهاينة على تحمّل العمليات النوعية للمقاومة في غزة، فبعد بدء مشروعه الإستيطاني بهندسة القطاع جغرافياً، وتقسيمه وتفصيله من خلال المعابر والحواجز، وتقسيم بعض شوارعه زمانياً، لتُفتح في أوقات محدَّدة للعرب، لم يستطع هذا المشروع فيما بعد الاستمرار لتحقيق ضمان أمن المستوطنين.

ومنذ هروب قوات الاحتلال تحت حجة “خطة فك الارتباط”، يفرض الكيان حصاره على غزة برا وبحرا وجوا، في حين يُعد القطاع من أكثر المناطق كثافة للسكان في العالم، حيث يعيش ميلوني فلسطيني فيما يشبه السجن، في مساحة تبلغ 365 كيلومترا مربعا، وقد شدد الكيان حصاره في عام 2007 بعد أن نجحت حركة “حماس” بالدخول إلى السلطة، فحظر دخول كافة المواد الأولية والمحروقات والكهرباء والكثير من السلع والبضائع التي يحتاجها الفلسطينيون، ومنع الصيد في عمق البحر، وأغلق المعابر بين القطاع والأراضي المحتلة عام 1948، وقد نتج عن الحصار الطويل والخانق تعطُّل كافة المصانع وزيادة نسبة البطالة لتتجاوز الـ80 % لتصبح أعلى نسبة بطالة في العالم، إضافة إلى النقص الحاد في الأدوية والمواد الطبية وتعطّل حركة البناء تماما، مما زاد أزمة أصحاب البيوت، والتي دُمرت خلال الاعتداءات الإسرائيلية على غزة حتى تجاوز عددها عن 4100 شقة سكنية، فضلاً عن أزمة انقطاع التغذية الكهربائية لفترات وصلت إلى 16 ساعة يومياً أو أكثر، وحتى توقف محطة الكهرباء الوحيدة، ما دفع المواطنين للاعتماد على المولدات الكهربائية.

في ظل استمرار الإعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ومختلف الأراضي الفلسطينية، يشهد العالم العربي صمت الدول العربية عن تلك الاعتداءات الارهابية بحق إخوانه، حتى أوشكت فكرة “الصراع العربي الإسرائيلي” على الاندثار، فغاصت الحكومات العربية في توسيع علاقاتها التطبيعية حتى طالت كافة المجالات السياسية والتكنولوجية والعسكرية والثقافية، محاولة بذلك كسب الرضا “الاسرائيلي_الأميركي” ولن يحصل، وظنًا بأنها تلجأُ لمصدر الأمان والرخاء الاقتصادي وإلى القوة الأكبر في العالم، ولعلها لم تلتفت إلى تغيّر النظام العالمي الذي يتحوّل إلى نظامٍ متعدّد الأقطاب عاما بعد عام، تضعف قوىً أدارت العالم لعشرات السنين، وتنمو تحالفات كبرى قادرة على الاستغناء عن التبعية للولايات المتحدة.

ها نحن ذا على أعتاب الذكرى الثلاثين لاتفاق العار “أوسلو” الذي كان بمثابة نكبة ثانية على الفلسطينيين، فما حققته تضحيات الشعب خلال أعوام كاد أن يُهدم ب “مصافحة”، إلّا أنه لم يَطُل حتى أسقطه وعي الشعوب، أمّا اليوم فبالرغم من أنّ المشروع التطبيعي مع الكيان قد قطع أشواطا هائلة خلال الأعوام الماضية، لكنّ الروابط المعتمدة في بناء هذه العلاقات لن تطول حتى تتقطّع وتكشف هشاشتها ورقّتها، ليلمع نجم القضية الأولى لأصحاب الإنسانية، وتُقطف ثمار صمود الشعب الفلسطيني ووقوف محور المقاومة إلى جانبه.

مازال انتصار 12 ايلول يصدع في آذان الهاربين، وينمو مع الأجيال الجديدة ليُخرجهم من كافة الأجزاء المحتلة على أرض “فلسطين”.

إعداد: محمد حمادة


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى