تقدير موقف

الدولة العميقة .. وترامب !

مركز سونار الإعلامي، رؤية جديدة في مواكبة الإعلام الرقمي تابعونا على قناة اليوتيوب ليصلكم كل جديد

د. مازن سليم خضور

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يتعهد بالقضاء على ما يُعرف بـ«الدولة العميقة» في حال إعادة انتخابه، قائلاً: «عندما يتمّ انتخابي مرّة أخرى، فسأمحو ما يسمّى بالدولة العميقة وأنا أعرفهم جميعاً» !!

تصريح الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة المقررة عام 2024 جاء بعد أن مثل أمام محكمة في ميامي بفلوريدا للرد على الاتهامات الموجهة إليه والمتعلقة يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب 37 تهمة تتعلق باحتفاظه دون وجه حق بوثائق مرتبطة بالأمن القومي عندما ترك منصبه، والكذب على مسؤولين سعوا إلى استعادتها.. تصريح الرئيس الأسبق يقودنا للتساؤل ما هي الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تحدث عنها ترامب أمام أنصاره في نيوجيرسي ؟

ماهي الدولة العميقة؟

لا يوجد اتفاق موحد لمفهوم الدولة العميقة لاسيما أن هذا المفهوم يتداخل مع مجموعة من المفاهيم والمصطلحات مثل (الفرق السرية) و (حكومة الظل) و (الدولة الموازية) وغيرها. أول استخدام للمصطلح بشكل شبه رسمي عام (١٩٩٧) في صحيفة “نيويورك تايمز” وعرفتها بأنها: “مجموعة من القوى الغامضة التي يبدو أنها تعمل بعيدا عن القانون”.

من التعريفات المتداولة عن الدولة العميقة أنها ” مجموعة من المصالح السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية يسيطر عليها عدد من الأشخاص واللوبيات أو المؤسسات للحفاظ والدفاع عن مصالحهم المكتسبة بطرق غير قانونية أخطرها ذات المدى السياسي لأنها تقوض العمل السياسي”.

وهذا يختلف عن تعريف Mike Lofgren الذي يرى أن “الدولة العميقة ليست تحالفات سرية متآمرة فهي دولة داخل الدولة و تعمل على مرأى ومسمع الجميع كما يرى أنها ليست مجموعة متماسكة وليس لها هدف واضح، بل هي شبكة مترامية الأطراف تمتد عبر الحكومة وفي القطاع الخاص”.

خصائص الدولة العميقة وأدواتها :

للدولة العميقة مجموعة من الخصائص أهمها السرية والغموض فهي غير موجودة بشكل علني وغير مرئية، لكن آثارها ونتائجها يمكن ملاحظتها كذلك تشابك المصالح بين قواها لضمان الديمومة والاستمرار فالورقة الرابحة للقوى العميقة هي الابتعاد عن مرأى عامة الناس لكي يتسنى لها تحريك الحكومات كالدمى فهي عادة تتألف من عدة أجهزة اقتصادية، أو سياسية أو أمنية أو عسكرية أو إعلامية تعمل على التحكم في مصير الدولة القائمة والسيطرة عليها!

كذلك تعتبر نفسها _الدولة العميقة_ الوصي على القيم الوطنية وحمايتها من أي تهديدات داخلية أو خارجية، وتمارس سلطتها من خلال القهر والعنف الذي تستخدمه أو تهدّد به، خاصة في ظل استقلالية الجهاز الأمني لديها.

تستخدم الدولة العميقة للوصول لأهدافها وتحقيق مصالحها مجموعة متعددة من الأدوات، منها سيطرة المؤسسة العسكرية وتدخلها في الجهاز الإداري والتغلغل بين أجهزة الدولة، والقوات المسلحة الرسمية، والمناصب رفيعة المستوى ومن الأدوات المهمة أيضا استخدام الإعلام كوسيلة في السيطرة على الرأي العام وفق مصالحها وأهدافها بالإضافة إلى استخدام النخب من جهة ورؤوس الأموال من جهة أخرى وهذا ما سيتم التوسع به من خلال دراسة قامت بها الواشنطن بوست .

تقرير الواشنطن بوست!!

في العام (٢٠١٠) قامت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بإعداد تحقيق صحفي عبر ثلاثة مقالات استغرق تحضيرها عامان من خلال عشرين صحفيا من كبار المؤسسة وخلص هذا التقرير إلى أن هناك سلطة قد نشأت وهي مُغيّبة تماماً عن أعين الشعب الرقابية بستار من السرية الفائقة، وهذه السلطة أصبحت كبيرة جدًا، وحدود مسؤولياتها ضبابية، بحيث إن قادة الولايات المتحدة لا يمسكون بزمامها، وهي موجودة في كل مكان في أرجاء الولايات ونقتبس ما جاء في التقرير حيث أن هناك (١٢٧١) مؤسسة حكومية تساعدها (١٩٣١) شركة تخدمها ضمن أجهزة الاستخبارات، والأمن الداخلي ومكافحة الارهاب وهناك ما يقرب من تسعمائة شخص ضمن هذه الأجهزة، ممن يحملون تصاريح بالاطلاع على التقارير التي كتب عليها (سري جدا)، وهناك أيضا (٣٣) مركزاً في واشنطن لوحدها مخصصة لأعمال المخابرات السرية جداً مساحة أبنيتها تعادل (١٧) مليون قدم مربع (حوالي ١.٧مليون متر مربع).

وللتأكيد أن هذه التقارير من منذ العام (٢٠١٠) أي أن الأعداد في ازدياد!

الدولة العميقة في أمريكا لا تتضمن المؤسسات الأمنية والاستخبارية أو الأجهزة البيروقراطية الحكومية فقط ولكن هناك بعد آخر للدولة العميقة يتمثل في قلة من رجال الأعمال وبعض الشركات الكبرى والتي تتحكم في الاقتصاد الأمريكي وهو بالمناسبة الاقتصاد الأكبر في العالم وهناك فرع أيضا للدولة العميقة الأمريكية يتمثل في نخبة من أهم علماء أمريكا والباحثين في أعرق الجامعات ومراكز البحث الأمريكية، والمنوط بهم تقديم خدمات سرية للبلاد.

إدارة ترامب والدولة العميقة!

لو حاولنا تطبيق نتائج تقارير الواشنطن بوست مع إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترامب لوجدنا أن إدارة ترامب تحالفت مع الفروع التي أشار إليها التقرير وهي الشركات التي تتحكم بالاقتصاد الأميركي عدد من عمالقة المال في وول ستريت، وشركات النفط، وتحالف أيضاً مع مجموعة من النخب المؤثرة بالإضافة إلى مجموعة من الجنرالات، ومجموعة من متعهدي الشركات الأمنية الخاصة والأثرياء وغيرهم وبالتالي نستطيع القول أن إدارة ترامب كانت على صلة وتحالف وثيق مع الدولة العميقة .

وفي النهاية وبالرغم من أن الكثيرين حول العالم يعتبرون أن الدولة العميقة أمراً من قبيل الوهم أو المؤامرة الوهمية، إلا أن هناك عدة استطلاعات للرأي في الأعوام الأخيرة نتائجها تؤكد وجود هذا المصطلح قولا وفعلا ليبقى السؤال الأهم ما المتغير في هذه العلاقة بين الرئيس الأسبق دونالد ترامب والدولة العميقة التي تعهد ترامب علنا بمحوها ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى