ما المطلوب من مسيحيي لبنان في الحرب على غزة؟
رانيا حتّي
فلسطين مهد ولادة الديانة المسيحيّة ونشأتها،تُشكّل بالنسبة للمسيحيين في العالم علامة حسيّة للرسالة الروحية التي أتى بها السيّد المسيح. هذه الرمزية هي الدافع الأساس لاستمرار تعلّق المسيحيين الفلسطينيين، كما المسيحيين في كلّ أنحاء العالم، بتأمين استمرار الحضور المسيحي في الأراضي المقدَّسة، رغم التجارب الصعبة التي مرّت ولا تزال تمرّ عليهم. هذا ما يفسر كثافة حضور المؤسسات الدينية والتربوية والاجتماعية المسيحيّة الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة في القدس وبيت لحم والعديد من المناطق الفلسطينية. يُقدَّر عدد الفلسطينيين المسيحيين المنتشرين في العالم اليوم بمئات الآلاف. غير أنَّهم في البلاد التي كانت مهدَهم كدين وحضارة يوشكون على الإندثار، نتيجة نشوء كيان إسرائيل الذي هجّر قسماً كبيراً منهم.
كان المسيحيون الفلسطينيون في طليعة من تنبَّهوا لمشاريع الاستيطان اليهودية في الأراضي الفلسطينية، وبخاصة بعد الحرب العالميّة الأولى. وعملوا على نشر التوعية بين السكَّان وتحذيرهم من مغبة بيع أراضيهم للوافدين من أوروبا وغيرها من خلال مطبوعات وحملات توعية وجولات على المدن والقرى. وشاركوا بفاعليّة في كلّ الجهود الرامية إلى مواجهة الخطر على بلادهم على كلّ المستويات، وتشاركوا مع الفلسطينيين المسلمين في تحمل المآسي الناجمة عن الإحتلال الإسرائيلي منذ العام ١٩٤٨ والمحن التي تلتها والتي لا تزال تستهدفهم مسلمين ومسيحيين في الأراضي المقدسة .
تواجه اليوم المقاومة سواء في فلسطين أو في لبنان أعتى جيش همجيّ في العالم، وحشيّ، لا أخلاقيّ، لا يلتزم احترام القوانين الدوليّة الإنسانيّة أو قوانين الحرب بالحد الأدنى. هدفه القضاء على حركات المقاومة بشكل عام، من أجل تنفيذ صفقة القرن، يليه التوطين والتطبيع ومن ثم السيطرة الكاملة على المنطقة وممراتها الإقتصادية (الممر الهندي – الأميريكي- الإسرائيلي) وإخضاعها لنفوذه إنطلاقاً من مرفأ حيفا. وهو من أخطر المخططات التهجيرية للفلسطينيين عامةً ولمسيحيي لبنان خاصةً التي تهدد وجودهم في هذا الشرق . فالمقاومة التي حرّرت سابقاً العديد من المناطق السورية (معلولة المسيحية ) من الإرهاب التكفيري دون تمييز بين طائفة أو مذهب، لن تبخل بمساندة غزة المظلومة، التي تتعرّض لأبشع حرب تكفيرية – صهيونية.
فما المطلوب اليوم من موارنة لبنان حيال الإبادة؟
بغض النظر عن تركيبة النظام اللبناني وعقدة حقوق المسيحيين وغيرها من المسائل السياسية. فإن جرّ المسيحيين إلى أفكار متطرفة لا تشبه تعاليمهم الدينية أو قيمهم الأخلاقية هو التناقض بحد ذاته. لذلك، مهما كانت الظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية، يجب على القيادات والأحزاب المسيحية المارونية مساندة مسيحيي فلسطين ومسلميها إنسجاماً مع تعاليم الديانة المسيحية برمزيتها الأخلاقية والفكرية التي تشهد للحق لا الباطل، تدافع عن المظلوم لا الظالم، تدعم تحرير الشعوب لا المُحتل. ومن الناحية السياسية، إسناد غزة- فلسطين عامل استراتيجي من أجل الدفاع عن لبنان وحمايته من السيطرة الصهيونية . لأنه في حال هُزمت حماس فستكون الحرب القادمة على حزب الله ويصبح لبنان مثل غزة.
من هذا المنطلق، على المسيحيين نبذ الخطابات المذهبية واستبدالها بخطابات وطنية وحدوية جامعة. وعدم إعطاء أي ذريعة للكيان الإسرائيلي بأن الموارنة في لبنان ما زالوا يميليون إلى مخططاتهم التقسيميّة والفيديراليّة منذ زمن الحرب الأهلية . “لأنَّ الحروب تبدأ في النفوس، لذا يقتضي حماية النفوس من أجل بناء السلام” (شرعة الأونيسكو) . بالتالي، تكون القضية الفلسطينية وأرض فلسطين والقدس بالنسبة لهم قضية محورية ومركزية بشكل مطلق. فالقضية لم تعد قضية غزة وفلسطين أو قضية حزب أو مذهب معيّن فحسب، إنما قضية وجود ومصير مشترك للمسلمين والمسيحيين معاً