الرصيف البحري في غزة مشروع أميركي قديم متجدد
في خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن في السابع من آذار عام 2024 بمناسبة “حالة الاتحاد”، أوعز بايدن لجيش بلاده بالتحرك فوراً لتنفيذ عملية طارئة لإنشاء رصيف بحري عائم مؤقت على ساحل قطاع غزة، مدعياً أن الهدف منه هو إدخال مساعدات انسانية عاجلة من مواد غذائية ودواء وخيم. فهل حقاً أن من خطط لإنشاء هذا الرصيف هي الإدارة الأميركية الحالية؟ وهل حقاً أن الهدف منه انسانيّ بحت؟
نشر معهد الشرق الأوسط مقالة لنمرود غورين- و هو رئيس المعهد “الاسرائيلي” للسياسات الخارجية والإقليمية والمؤسس المشارك لمجلس الدبلوماسية المتوسطية وخبير الشؤون “الإسرائيلية”- نشر له مقالاً يؤكد فيه على أن مشروع الرصيف البحري في غزة هو مشروع قديم طرح في تسعينيات القرن الماضي اثر محادثات السلام بين كيان الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية. فقد شخصوا الحاجة لوجود ميناء في غزة سيسهم في تحقيق “نمو وتقدم اقتصادي لدولة فلسطينية مستقبلية” تنتج عن هذه المحادثات ويكون الشكل النهائي حل الدولتين.
من هنا، لا يمكن لنا أن نرى المشهد اليوم مجتزأً، مقتطعاً وبعيداً عن هذه القضية. فلا بد من الربط ما بين الرصيف البحري العائم والمؤقت، وبين مشروع الميناء الذي نشأ عبر “اللجنة الاسرائيلية-الفلسطينية المستمرة للتعاون الاقتصادي” ويصب في مسار التخلي عن جزء كبير من فلسطين والتوجه لتطبيق حل الدولتين المزعوم. خاصة وأن الحكومات الأوروبية اليوم منقسمة بين متطرفة لا ترى وجوداً لفلسطين أساساً وبين دول ضاقت ذرعا بسياسات الاحتلال، ودفعت في اتجاه تطبيق حل الدولتين مثل اسبانيا وإيرلندا والنرويج وسلوفينيا اللاتي اعترفت مؤخراً بدولة فلسطينية على حدود عام 1967.
وشكلت عملية تحرير المستوطنين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية يوم السبت الثامن من حزيران عام 2024، التي راح ضحيتها نحو ألف فلسطيني بين شهيد وجريح في مجزرة النصيرات، صدمة إيجابية في الأوساط العبرية حتى خرجت وسائل الإعلام تهلل وتمجد بالعملية “النوعية” و”الاستراتيجية” الهامة وتضعف و توهن بالمقاومة الفلسطينية. لكن رحى حرب اعلامية طاحنة دارت على مدى الساعات اللاحقة حول جدلية مشاركة قوات أميركية في تنفيذ هذه العملية، واستفادتها من الرصيف البحري الأميركي في تحرير المحتجزين.
فقد نشرت عدة وسائل اعلامية عبرية وأمريكية وغربية نبأ مشاركة قوات وخلايا أمريكية خاصة تعنى بملف الأسرى وتحريرهم بعملية النصيرات. ومن هذه المواقع أكسيوس الأمريكي وواللا العبري اللذين أكدا هذا الأمر. كما أكدت وسائل إعلام أخرى على أن القوات التي نفذت العملية استفادت من الرصيف البحري الأمريكي المؤقت. إذ نُشرت تقارير عن دخول القوات المنفذة للعملية عبر الرصيف البحري المؤقت تحت غطاء إنساني عبر شاحنات المساعدات. وبينت المشاهد لقطات لإحدى الشاحنات ترافقها آلية عسكرية، في أحد شوارع المنطقة قبل بدء الغارات الجوية، وأظهرت لقطات أخرى بعد العملية لحظة إجلاء الأسرى المحررين باستخدام مروحية عسكرية تابعة لجيش العدو في الجهة الجنوبية للرصيف الأميركي بحسب القيادة المركزية الوسطى التي نفت استخدام الرصيف في عملية إنقاذ المحتجزين غزة.
ورغم النفي الأميركي لاستخدام الرصيف البحري في العملية، يبقى التساؤل مشروع حول خلفية وجود هذا الرصيف البحري في ظل وجود معابر برية للمساعدات، أضف أن الرصيف الذي بلغت تكلفته نحو 320 مليون دولار، تعرض لخسائر كبيرة بسبب الطقس العاصف، وإعادة إصلاحه ستسبب مزيدا من الأكلاف الإضافية، فلماذا هذا الإصرار على وجود هذا الرصيف؟