سياسة

“وعده صادق”.. مسمار جديد في نعش منظومة الردع الإسرائيلية

مركز سونار الإعلامي، رؤية جديدة في مواكبة الإعلام الرقمي تابعونا على قناة اليوتيوب ليصلكم كل جديد

يوسف الصايغ

18 نيسان 2024

 

أما وقد هدأت الرؤوس الحامية وخف منسوب التحليلات والنظريات في شرح خلفيات ونتائج رد إيران على إستهداف قنصليتها في دمشق، فلا بد من مقاربة عملية “وعده صادق” بنوع من الهدوء بعيدا عن المنطق الإنفعالي والحكم المسبق على الامور، خصوصا وان بعض التحليلات الدونكيشوتية تخطت في تفسيراتها و”معلوماتها” ما لا يملك كيان الإحتلال نفسه معطيات حوله، وهذا يندرج في إطار المزايدات التي لا تقدم ولا تؤخر، لكنها تكشف مدى سطحية البعض وهشاشة التفكير في مقاربة مجريات الصراع القائم على مستوى المنطقة والعالم، والتي لا تخضع لمنطق إبداء الآراء الشخصية او مفهوم الإنحياز الأعمى ولو كان ذلك على حساب الحقائق التي يثبتها الميدان، والتي بات يعترف بها العدو قبل الصديق.

بداية لا بد من الإشارة الى أن الرد الإيراني وبعيدا عن النتائج الناجمة عنه والخسائر والأضرار التي لحقت ببنية كيان الاحتلال الإسرائيلي، كانت بمثابة الإعلان عن إنتقال نوعي من مرحلة “الصبر الإستراتيجي” التي يتقن صناع السجاد العجمي تقريشها في السياسة والأمن ومؤخراً في الميدان العسكري، فجاءت عملية وعده صادق لتعلن ان جمهورية إيران الإسلامية دخلت في مرحلة “الرد المباشر” على أي عمل عدواني يطال مصالحها او كل ما يرتبط بها سياسيا وأمنيا وعسكرياً داخل إيران وخارجها، وفحوى الرد الإيراني أنه جاء من داخل أراضي الجمهورية الاسلامية وبصواريخ ومسيرات تحمل بصمات قسم الصناعات العسكرية والتكنولوجية في إيران، والتي طالت أهدافا عسكرية فقط، والتي حددتها القيادة الإيرانية داخل فلسطين المحتلة لا سيما قاعدة نفاتيم التي انطلق منها عملية استهداف القنصلية الايرانية في دمشق.

الرد الإيراني الذي أسقط كل الأعراف السابقة ورهانات البعض على صمت طهران تجاه ما تتعرض له من إعتداءات جاء ليؤكد على إنهيار منظومة الردع الإسرائيلي على المستوى الدفاعي، وإنطلاقا من هذه الحقيقة تأتي مشاركة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بشكل مباشر في التصدي للهجوم الإيراني، وبالطبع لا يجب أن ننسى دور الأردن ومصر وباقي الدول العربية التي تدور في فلك المحور الأميركي، والتي لعبت دوراً تفاوت بين التقني واللوجستي والعسكري المباشر، وإن كان هذا الأمر يكشف أن التحالف السياسي لا يزال قائما في المنطقة بين إسرائيل ودول “الإعتدال العربي” رغم حرب الإبادة التي تشنها تل أبيب على قطاع غزة منذ سبعة أشهر، حيث ان هذه الدول لم تتحرك عسكريا الا عندما طال الخطر تل أبيب، بينما إكتفى “الأشقاء العرب” برمي السلال الغذائية على أهل غزة فساهموا بقتل عدد منهم، فجاء دورهم مكملا لما تقوم به الصواريخ والقذائف والطائرات الإسرائيلية في إبادة أهل غزة، وهذا الأمر برسم كل من ينتقد ما قامت به إيران من رد، فهل يمكنهم شرح وتفسير ما قامت به الدول العربية من دفاع مستميت عن “إسرائيل”؟

الحقيقة الواضحة والتي أصبحت ثابتة بعد الرد الإيراني هي أن “إسرائيل” باتت أعجز من أن تدافع عن نفسها منفردة ليس فقط بمواجهة تهديد من دولة بحجم إيران بل حتى على مستوى الحرب مع المقاومة في قطاع غزة، فمنذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى كانت الطائرات والقذائف والصواريخ القادمة من مخازن السلاح الأميركية هي التي تعطي جيش الإحتلال الإسرائيلي التفوق في حرب الإبادة التي يشنها، ولولا الدعم الاميركي بالدرجة الأولى والغربي بالدرجة الثانية لكان كيان الإحتلال غارقا في مأزق أكير مما هو عليه الآن، لأنه رغم كل الامكانات التي وضعت في خدمة هذا الكيان وجيشه÷ فهو لا يزال عاجزا عن تحقيق اي نتيجة ملموسة على أرض الواقع سوى تدمير قطاع غزة وإرتكاب حرب إبادة حقيقية بحق الأطفال والنساء وتدمير ممنهج للمستشفيات والمخابز والمدارس وكل ما يمت للحياة بصلة في غزة، ورغم كل هذا الدمار والمجازر اليومية المستمرة لا تزال المقاومة في غزة ثابتة وتوجه الضربات بشكل يومي الى قوات العدو وتكبده الخسائر في الأرواح والعتاد”.

وكذلك الأمر بالنسبة لدول جبهات محور المقاومة التي تواصل عمليات الإسناد لجبهة غزة من اليمن والعراق مرورا بالجلاون المحتل، وصولا الى جنوب لبنان التي تشكل جبهة الإسناد الأكثر سخونة نظرا للقرب الجغرافي في نطاق العمليات ورغم كل التدمير الي يقوم به كيان الاحتلال جنوبا من خلال استهداف البلدات والاحياء واستهداف المقاومين، فلا تزال عمليات المقاومة متواصلة بل أصبحت أكثر تأثيرا في إستهدافها للمواقع والقواعد العسكرية للعدو وليس آخرها العملية النوعية في منطقة عرب العرامشة، والتي أظهرت مجددا قدرة المقاومة في جنوب لبنان في إستهداف مواقع العدو بتقينات جوية عبر سلاح المسيرات الى جانب القدرات الصاروخية التي تمتلكها المقاومة والتي لم تكشف الا عن الجزء اليسير منها.

وما يجب التوقف عنده أنه وبينما إضطر الكيان الإسرائيلي وحلفائه الى إظهار قدراتهم الدفاعية من خلال التصدي للهجوم الإيراني الذي يمكن وصفه بـ”الإختباري” حيث انه لم يتم اطلاق سوى دفعة من عشرات المسيرات والصواريخ ومن جبهة واحدة، لا يزال في جعبة محور المقاومة الكثير الكثير للكشف عنه في سياق المواجهة بحال إنتقلت الى “حرب مفتوحة” تخشاها إسرائيل ولا تريدها واشنطن لأنهم يدركون خطورة نتائجها على أرض الواقع والتي لن تكون أقل من الحاق هزيمة مدوية بكيان الإحتلال، بما يشكل نقطة تحول كبرى على مستوى الصراع في المنطقة فجاءت عملية “وعده صادق” بمثابة مسمار جديد في نعش منظومة الردع الإسرائيليةلا سيما بعد عملية طوفان الأقصى التي حملت في طياتها أولى بشائر بداية نهاية “إسرائيل” علما أن هذا الأمر ليس ممكنا في المدى القريب، ولكنه لم يعد مستحيلاً والأيام والسنوات القادمة كفيلة من أجل تأكيد صحة هذا الكلام.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى