في ظل الاهتمام المتزايد باعتماد العملات المشفرة في أجزاء مختلفة من العالم، تبرز أفريقيا واحدةً من الأقاليم التي تُظهر إمكانات كبيرة ورغبة مُلحة للتوسع في هذا المجال؛ وذلك بالنظر إلى تحركات عدة بلدان أفريقية إزاء اعتماد العملات المشفرة وإكسابها صفة قانونية من ناحية، واهتمام مواطني هذه الدول هم أنفسهم بما في ذلك من هم في الشتات، باقتناء تلك العملات المشفرة والتعامل من خلالها، بصفتها بديلاً براقاً للنظم المصرفية التقليدية.
يعزى التبني المتزايد للعملات المشفرة في أفريقيا إلى عدة عوامل، يمكن استعراضها على النحو التالي:
1- تراجع الاستقرار الاقتصادي وانخفاض قيمة العملات المحلية: أدت حالة التضخم المتفشي وعدم الاستقرار الاقتصادي، وما ترتب عليه من تقلب أسعار العملات المحلية، في ظل ضعف الأنظمة المصرفية في عدد من الدول الأفريقية، إلى تولد الحاجة إلى معاملات فعالة عبر الحدود. ومن ثم مثَّلت العملات المشفرة حلاً بديلاً مستقراً ولا مركزياً للأنظمة المالية الضعيفة وغير الجديرة بالثقة، وأداة متعددة الاستخدامات بالنسبة إلى الأفراد، في إطار ما تقدمه من حلول مبتكرة للتغلب على العقبات التي تفرضها الأنظمة المالية التقليدية.
2- تسهيل المعاملات عبر الحدود: يعد إرسال الأموال واستلامها عبر الحدود تحدياً شائعاً في أفريقيا؛ نظراً إلى وجود معوقات عديدة في هذا المضمار، بما في ذلك الرسوم المرتفعة وبطء أوقات المعالجة، وتعقُّد الأنظمة المالية التقليدية في التعامل مع عمليات التوثيق الصارمة والمليئة بالغموض، خاصةً فيما يتعلق بالرسوم.
ويزداد الأمر صعوبةً، بالنسبة إلى الذين يعيشون في الشتات مع أسرهم؛ إذ يواجهون صعوبة في إرسال قيمة الأموال إلى أوطانهم؛ نظراً إلى ضياعها في رسوم صرف العملات، كما أنها لا يمكن الاعتماد عليها في حالات الطوارئ؛ بسبب بطء أوقات المعالجة؛ ولهذا تبدو العملات المشفرة حلاً براقاً؛ حيث تسهل المعاملات عبر الحدود دون الحاجة إلى وسطاء مثل البنوك أو خدمات التحويلات.
3- أداة للشركات الصغيرة والمتوسطة لتلبية احتياجات العملاء: تحرص الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في أفريقيا حالياً، على قبول العملات المشفرة وسيلةً للدفع، ولا يقتصر ذلك على الشركات المتخصصة في التكنولوجيا فحسب، بل يعتمدها أيضاً البائعون التقليديون؛ حيث أصبح بإمكان الأشخاص الدفع مقابل الحصول على الخدمات مباشرة بالعملات المشفرة، دون الحاجة إلى التحويل بالعملات الورقية؛ ما يجعل هذه الشركات تلبي احتياجات العملاء المحليين والمغتربين من جهة، ومن جهة أخرى، تستفيد بشدة من تنوع العملات المشفرة، وتوفيرها خيارات دفع متعددة.
4- وسيلة جذابة للتجارة والاستثمار في ظل زيادة معدلات البطالة: خلال الفترة الأخيرة، أصبح تداول العملات المشفرة في أفريقيا أداة للاستثمار على نحو واسع، خاصةً بعد انتشار قصص نجاح متداولي العملات المشفرة، والمستثمرين المستفيدين من تقلب أسعارها، وزيادة معدلات البطالة في القارة الأفريقية؛ ما دفع عدداً متزايداً من الأفراد إلى تقصي سبل الاستثمار في هذا المجال، والبدء في تداول العملات المشفرة وجني الأرباح من وراء ذلك.
5- تعزيز أمن المعاملات: تمنح تقنية بلوك تشين (blockchain) المبتكرة، التي تدعم العملات المشفرة، درجة عالية من الأمان؛ ما يجعلها خياراً جذاباً في حالات المعاملات التي تتطلب مستويات عالية من الثقة والشفافية في أفريقيا. وعليه، تلجأ الشركات الدولية العاملة داخل أفريقيا إلى معالجة المعاملات بسلاسة وثقة، بفضل ميزات الأمان القوية التي توفرها العملات المشفرة.
6- الحماية من الاضطرابات السياسية والأمنية: دفعت الاضطرابات السياسية والتوترات الأمنية في بعض الدول الأفريقية نحو تعزيز انعدام الثقة بالنظم المالية التقليدية؛ لذا بات يُنظَر إلى العملات المشفرة على أنها وسيلة توفر الإحساس بالأمان والاستقلال؛ حيث تعد ملاذاً لهم بعيداً عن سيطرة الحكومة، وحماية لثرواتهم من عدم الاستقرار السائد في تلك المناطق، الذي من شأنه أن يُعرض أصولهم لمخاطر الاستيلاء عليها من قبل أي طرف من الأطراف المتنازعة.
7- توفير الحرية المالية للمتعاملين في ظل محدودية الوصول للخدمات المصرفية: تعد أفريقيا موطناً لعدد كبير من السكان الذين لا يتعاملون مع البنوك؛ إذ يفتقر الملايين من الأفراد القدرة على الوصول إلى الخدمات المالية الرسمية؛ حيث غالباً ما تفشل الأنظمة المصرفية التقليدية في الوصول إلى المناطق النائية، بالشكل الذي يسلبهم القدرة على أداء المعاملات المالية بشكل سلس؛ ما يخلق فرصة للعملات المشفرة للبروز بديلاً حيوياً للشمول المالي، وشريان حياة للمعاملات المالية الأساسية في المناطق الريفية، كالتي موجودة في كينيا ونيجيريا؛ حيث تكون البنية التحتية المصرفية التقليدية محدودة.