Uncategorized

وقف إطلاق النار في غزة قد يؤدي إلى تسريع العملية السياسية مع لبنان

مركز سونار الإعلامي، رؤية جديدة في مواكبة الإعلام الرقمي تابعونا على قناة اليوتيوب ليصلكم كل جديد

كتب تسفي برئيل في صحيفة هآرتس ان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، اعلن عن قرار الرد بقوة على الهجوم في القاعدة الأمريكية في الأردن الأحد الماضي، الذي قتل فيه ثلاثة جنود أمريكيين، أثمر عن رد عملي.

حزب الله في العراق المؤيد لإيران أعلن “رسمياً” أنه سيتوقف عن مهاجمة الأهداف الأمريكية “كي لا يحرج الحكومة العراقية”. في الحقيقة، أوضحت الولايات المتحدة بوجوب رد، لكن “سيتم التعامل معهم حسب الأفعال لا الأقوال”.

قائد حرس الثورة الإيراني، حسين سلامي، أعلن أن “إيران لا تسعى إلى توسيع الحرب، لكنها سترد على أي تهديد ضدها”. ضد إيران ولكن ليس ضد وكلائها، وكأن الأمر يتعلق بـ “مواجهة شخصية” بين مليشيات تابعة للولايات المتحدة وليست مرتبطة بها.

الحوثيون في اليمن ما زالوا يواجهون السفن في البحر الأحمر، كما تستمر المواجهات في الجبهة اللبنانية كالعادة أيضاً. هذه “العادة” تنتظر الآن اتفاقاً حول المخطوفين ووقف طويل المدى لإطلاق النار، شهر ونصف – شهرين. هذه الفترة أكبر بكثير من هدنة من أجل المساعدات الإنسانية، وقد تنضج فيها نتائج سياسية تتجاوز ساحة المعارك في غزة.

“تقسيم العمل” في محور المقاومة واضح؛ فحزب الله يواجه “إسرائيل” مباشرة، والحوثيون والاحزاب الشيعية في العراق تتعامل مع حزام الأمان الذي تعطيه الولايات المتحدة “لإسرائيل”، في الوقت الذي ما زالت فيه إيران معفاة من دفع ثمن تشغيل وكلائها من بعيد.

ترتيب العمل هذا حتى الآن يحرص على عدم تجاوز حدود الحرب بقوة متدنية، وهكذا يسمح للتنظيمات التي هي ليست دولاً، بالعمل كجبهة واحدة مع حماس، وفي الوقت نفسه يقدم مبرراً للولايات المتحدة و”إسرائيل” للامتناع عن شن حرب على عدة جبهات بشكل كامل.

لو كانت الأمور تجري في لعبة في الحاسوب، التي تحتاج إلى تسجيل نقاط مقابل الضربات التكتيكية، فإن هذه المناورات يمكن أن تستمر بالمستوى الحالي بدون حسم. ولكن كما قال “السيد” حسن نصر الله في أحد خطاباته، فإن الميدان سيتكلم. الميدان ليس كمية التفجير أو المسيرات وقذائف المدفعية وعدد المصابين؛ فالضغوط السياسية في بيروت والقدس وبغداد وصنعاء وواشنطن، تتزايد وتطلب نصيبها في إدارة المواجهات.

في حالة الفحص للبنان، الساحة التي تمتلك الإمكانية الأعلى لاندلاع الحرب، ترتبط مصفوفة الضغوط بين قرى جنوب لبنان وحي الضاحية في بيروت، وبين المسيحيين والشيعة، وبين الجهود المبذولة لتعيين رئيس وحكومة، وبين الفيتو الذي فرضه “السيد” حسن نصر الله على كل اتفاق، أو حتى على المفاوضات السياسية، ما دامت الحرب في غزة مستمرة. في الهدنة السابقة التي رافقت إطلاق سراح المخطوفين والسجناء، أوقف حزب الله أيضاً إطلاق النار، واستأنفها عند انتهاء وقف إطلاق النار.

منذ توسع إطار المواجهة، عمقت “إسرائيل” الهجمات في لبنان وتدمير مبان كثيرة في جنوبه، وأصابت عدة أهداف عسكرية ومدنية في عمق لبنان، كما أدخل حزب الله صواريخ دقيقة إلى الساحة مثل الفلق 1 و 2، التي لم يستخدمها حتى الآن، وأصاب مركز المراقبة الجوية في جبل ميرون، إضافة إلى المس بـ”كريات شمونة” وبلدات أخرى. مع ذلك، ما زالت معادلة الإطلاق تحافظ على خط الحدود “المتفق عليه”، ولا تصل إلى حرب شاملة، التي تعني هجمات كثيفة في كل لبنان وإطلاق الصواريخ بعيدة المدى نحو الجبهة الداخلية في “إسرائيل”.

في موازاة ذلك، ثمة مشهد سياسي ينتظر انعطافة في لبنان. الثلاثاء الماضي، عقد اجتماع لسفراء مجموعة الخمس – السعودية وقطر ومصر وفرنسا والولايات المتحدة – الذين تعهدوا بانشغال محبط لإنقاذ لبنان من أزمته السياسية والاقتصادية، مع رئيس البرلمان نبيه بري. وكما نشر أيضاً في موقع “المدون” اللبناني، فإن “الأمر الأفضل الذي خرج من اللقاء هو صورة تخرج للسفراء”، هذا بالمناسبة غير قليل.

ثمة توتر غير خفي بين السفراء أنفسهم، ليس فقط في الأمور الجوهرية فحسب، بل أيضاً حول مسألة قيادة العملية. السفيرة الأمريكية الجديدة، ليزا جونسون، تتنافس مع سفير السعودية وليد البخاري، الذي يتصرف وكأنه صاحب البيت. أما سفير فرنسا، ارفيه ماغرو، فهو خاف أمامهما على مكانة دولته التي تعتبر نفسها الراعية الأولى للبنان. وهناك قطر، الشريكة في مشروع الغاز اللبناني الذي تم تجميده، لها ما تقوله أيضاً.

إذا ظهر الخميس الماضي، في لقاء سابق لهم، فتح ثغرة صغيرة أمام اتفاق سياسي فقد ظهرت في هذا الأسبوع أمور أقل تفاؤلاً. في الحقيقة هناك اتفاق بأنه يجب على لبنان تعيين رئيس جديد فوراً. ولكن أداة الضغط تلتوي أمام موقف حزب الله المتصلب. “السيد” حسن نصر الله مصمم على تعيين سليمان فرنجية، العدو اللدود لحزب القوات اللبنانية، بل وحبس نفسه في رابط أوجده بين الخطوات السياسية اللبنانية وبين قطاع غزة؛ أي إذا ما استمر إطلاق النار فلن تحدث أي قرارات سياسية حاسمة.

في المقابل، البطريرك الماروني، بشارة الراعي، الذي يؤيد تعيين قائد الجيش جوزيف عون في منصب الرئيس، تشدد الأحد في نغمته أمام حزب الله عندما قال إن “هذه الحرب فرضت على اللبنانيين الذين لا يريدونها. ليس للبنان أو اللبنانيين أي مصلحة فيها. سكان القرى في جنوب لبنان أصبحوا رهائن ودرعاً بشرياً لسياسة لبنانية فاشلة، ولثقافة الموت التي لن تجلب لدولتنا إلا انتصاراً وهمياً وهزيمة مخجلة”.

“ثقافة الموت” مفهوم موجه جيداً لحزب الله. لم يتأخر الرد؛ فصحيفة “الأخبار” المقربة من حزب الله، نشرت أمس مقالاً مطولاً لا يمتدح عون تماماً، وتم فيه وصف كيف أن عون يعمل بدون رقابة ويتصرف بأموال المساعدات التي حصل عليها الجيش من قطر بمليارات الدولارات وكأنها أمواله. تبادل النيران السياسية هذه تدل على عصبية متزايدة لدى حزب الله، الذي يواجه ضغطاً داخلياً، وخلال ذلك حقيقة أن أكثر من 120 ألف شخص من سكان الجنوب تركوا بيوتهم، والضغط من الخارج الذي تتعاون فيه السعودية وإيران (غير العضوة في مجموعة الخمس) وتنسقان مواقفهما هذه المرة.

بناء على ذلك، فإن وقف النار في غزة قد يعطي لحزب الله ذريعة مناسبة للموافقة على وقف معارضته للخطوات السياسية ما استمرت الحرب، وبذلك إعطاء فرصة لصفقة تعيين الرئيس. وقد يكون هذا أيضاً فرصة للمضي بالمفاوضات حول ترسيم الحدود البرية بين “إسرائيل” ولبنان. ويمكن تنفيذ استكمالها كجزء آخر من قرار 1701، الجزء الذي ينص على نشر الجيش اللبناني على طول الحدود مع إسرائيل، وهي عملية لم تنفذ بعد بسبب ادعاء لبنان أن خط الحدود الدولي لم يتم الاتفاق عليه حتى الآن، وأن خط الحدود الذي تم ترسيمه عندما انسحب “الجيش الإسرائيلي” من لبنان في العام 2000 لا يعتبر حدوداً دولية.

ربما يكون لوقف النار تأثير مهدئ للحوثيين الذين تسببوا بضرر استراتيجي أكبر نشعر بتأثيره أيضاً حتى خارج حدود المنطقة، وربما يساعد على استكمال المفاوضات حول إنهاء الحرب في اليمن. وقف طويل للنيران، شهر ونصف أو أكثر، فترة تكفي للمضي بخطوات سياسية، وربما تجبر الإدارة الأمريكية على استغلالها لاستخدام قوتها الدبلوماسية لبلورة آليات الإدارة الفلسطينية في القطاع مع الدول العربية، لا سيما مصر وقطر والسعودية. الهدف الأساسي الطموح لهذه العملية سيكون إلغاء كاملاً، أو على الأقل تقليص الحاجة لاستئناف القتال بالحجم الحالي عند انتهاء وقف إطلاق النار. وسينتقل التحدي من الحاجة إلى الاستعداد لليوم التالي للحرب، إلى اليوم التالي لوقف إطلاق النار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى