نتنياهو يقترب من الحسم واليمين يهدد و” المعسكر ” يؤيد
كتب عاموس هرئيا في صحيفة هآرتس العبرية ان زعيم حماس في الخارج، إسماعيل هنية، ومنظمته لا ترفض تماماً عرض الوسطاء لمرحلة أخرى في صفقة المخطوفين بين الكيان وحماس. وحسب قوله، تفحص حماس الخطة التي تم عرضت الأحد في باريس على رؤساء أجهزة الأمن الإسرائيلية. أن يتم اتخاذ رد حماس اليوم في لقاء مع ممثلي دول الوساطة في القاهرة.
العملية التي قادها رئيس الـ سي.آي.ايه وليام بيرنز، *استهدفت توحيد العروض المتنافسة التي قدمت بشكل منفصل في الأسابيع الأخيرة من قبل مصر وقطر*. منذ اللحظة التي قدم فيها العرض الجديد تحت مظلة أمريكية موحدة، أصبحت صورة الوضع في المفاوضات أوضح. في الوقت نفسه، بدأ متحدثون أمريكيون ومصريون وقطريون يدفعون قدماً بالرسالة التي تفيد بأن المفاوضات وصلت إلى مرحلة حاسمة، وأنه يمكن إنهاؤها بشكل إيجابي قريباً.
الواقع معقد أكثر؛ فحماس لم تُدع لقمة باريس، والتفاؤل الذي ظهر هناك الأحد الماضي في نهاية المحادثات عكس ما يجري في المحادثات بين الممثلين الإسرائيليين والوسطاء الأمريكيين والعرب. هذا أشبه باتفاق زواج بين العريس والحاخام الذي لم تسأل فيه العروس عن رأيها بعد. ومن اللحظة التي بدأت تنشر فيها أول أمس عبر وسائل إعلام إسرائيلية تفاصيل الصفقة التي تلوح في الأفق، صدر فوراً بعض النفي من مكتب رئيس الحكومة نتنياهو.
كل خطة ستناقش بجدية ستجبر الكيان على تقديم تنازلات مؤلمة، مثل إطلاق سراح آلاف السجناء، وبالأساس وقف القتال لشهر ونصف في القطاع، مقابل إطلاق تحرير دفعة أولى تشمل 35 مخطوفاً. نتنياهو لا يريد التعهد بذلك إزاء المعارضة في الداخل.
الأمر الذي حدث بالفعل في باريس هو أن إسرائيل وافقت على أن تنقل دول الوساطة العرض على حماس، كما حدث أول أمس. بذلك، ربط الكيان نفسه بعرض دول الوساطة، حتى لو لم تصادق عليه بالكامل وبشكل رسمي. وقد أصبح هناك التزام مصري وقطري تجاه الإدارة الأمريكية التي تعنى بالتوصل إلى صفقة. هاتان الدولتان لا تنقصهما وسائل ضغط على حماس. النظام في غزة يعتمد على تمويل من قطر، وعلى الطريقة التي ستقرر فيها مصر فتح الحدود مع القطاع أمام البضائع والأشخاص.
الطرفان ينتظران الآن تقديم عرض مضاد من قبل حماس رداً على عملية الوساطة. سيكون عرض حماس أصعب على الهضم من ناحية الكيان، لكن عندما يأتي سيكون بالإمكان فهم هل يمكن التقدم نحو تحقيق صفقة. عندها أيضاً ستعود الكرة إلى ملعب الكيان وسيتعين على نتنياهو التقرير إذا كان مستعداً لتقديم التنازلات المطلوبة.
من الواضح الآن أن الجناح اليميني المتطرف في الحكومة سيضع العقبات أمام أي صفقة؛ فالوزير بن غفير أطلق تصريحات ضد الصفقة، وأطلق تهديدات بحل الحكومة (الوزير سموتريتش غير بعيد عنه). اليمين قلق من احتمالية *وقف طويل لإطلاق النار يعتبر فعلياً إنهاء للحرب، وسيبقي حماس في السلطة، على الأقل جنوبي القطاع. ويدرك نتنياهو أن إعادة بعض المخطوفين مقابل آلاف السجناء سيفسرها جمهور واسع على أنها اعتراف بالفشل.
هذه الصفقة سترفع من مكانة حماس في أوساط الفلسطينيين، وربما تخلص قيادة حماس في القطاع من الضغط العسكري. عائلات المخطوفين تقول، وهي محقة، *إنه لم يبق للمخطوفين وقت كبير للعيش، وعلى الدولة واجب كبير لإنقاذهم إزاء فشل فظيع في 7 أكتوبر.* في الوقت نفسه، يجب الاعتراف بأن الصفقة بصيغتها الحالية ستكون بمثابة إنجاز لحماس – لا يهم كيف ستغلف الحكومة ذلك. تخفيض عدد القوات والانسحاب، في الوقت الذي تحتفل فيه حماس في المناطق التي أخلاها الجيش الإسرائيلي، لن يهضمها اليمين رغم خطر واضح على حياة المخطوفين.
يقف في القطب المقابل للضغط الذي يستخدمه سموتريتش وبن غفير في “الكابنت الأمني” وزيرا المعسكر الرسمي: *غانتس وآيزنكوت، العضوان في “كابينت الحرب” المصغر واللذان يؤيدان الصفقة حتى بتنازلات كبيرة.* رئيس المعارضة، عضو الكنيست يئير لبيد (يوجد مستقبل)، قال أمس إن قائمته ستوفر للحكومة شبكة أمان لأي صفقة تعيد المخطوفين.
قال نتنياهو في زيارته لمستوطنة “عيلي”: “لن نسحب قوات الجيش من القطاع، ولن نطلق سراح آلاف المخربين. لن يحدث هذا”. ولكن رئيس الحكومة يقترب عملياً من النقطة التي سيضطر فيها لاتخاذ قرار حاسم بين الموقفين. بن غفير لن يكون وحده، فمعه عدد غير قليل من الشركاء في الجناح اليميني في الحكومة، ومن بينهم وزراء في الليكود. أي أنه في حالة المضي بالاقتراح، فلا احتمال للائتلاف للبقاء في التشكيلة الحالة. ومهما كان قرار نتنياهو، فسينفصل عنه اليمين أو اليسار. لا صفقة على جدول الأعمال يمكن لبن غفير وسموتريتش التعايش معها. ومن جهة أخرى، يبدو أنه لا يوجد سيناريو انفجار في المحادثات (باستثناء تحطيم كامل للأدوات من قبل حماس)، الأمر الذي قد يبقي غانتس وآيزنكوت في الحكومة لفترة أطول.
الإدارة الأمريكية لا تنشغل بصفقة المخطوفين فقط، بل بعمليات إقليمية أخرى بعيدة المدى، مثل محاولة إعادة تحريك المفاوضات حول اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية وربطه بترتيبات اليوم التالي في القطاع. الوزير رون ديرمر يتولى الاتصالات من قبل نتنياهو مع الولايات المتحدة في هذا الشأن.* ولكن الأمريكيين يبلغون رؤساء الأحزاب الكبيرة الأخرى مثل المعسكر الرسمي و”يوجد مستقبل”، عما هو مطروح على الأجندة.
زمن الإدارة ينفد: في بداية آذار، سيبدأ رمضان، وهذه فترة حساسة في الشرق الأوسط. وفي حزيران سيشتد السباق على الرئاسة بين بايدن والمرشح الجمهوري المتوقع ترامب، لا يكتفي البيض الأبيض بحل مشكلة المخطوفين، بل هو معني أيضاً بربط علاقات إسرائيل والسعودية بذلك، إضافة إلى دفع المملكة السعودية والإمارات وقطر لتمويل ودعم اتفاقات اليوم التالي في قطاع غزة.
الصيغة الأمريكية تشمل إقامة حكومة تكنوقراط فلسطينية وإعطاء موطئ قدم للسلطة الفلسطينية في القطاع، وضمن ذلك إبقاء دور ما لحماس من وراء الكواليس. ولأن نتنياهو يرفض إظهار دعم لإقامة الدولة الفلسطينية، أضحت الإدارة الأمريكية تبحث عن بديل يفيد بأنه سيتم التحدث عن ذلك مع حكومة الكيان الحالية كحديث عن حلم مستقبلي لا عن حل فوري وعملي. جهات سعودية رفيعة صرحت مؤخراً في صالح المطالبة الملحة أكثر من الكيان بالاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل انتهاء الحرب في القطاع. ويبدو أن السعودية لم تتنازل بعد عن فكرة التطبيع مع الكيان.
الطلبات التي طرحتها السعودية على الإدارة الأمريكية كجزء من المفاوضات على اتفاق قبل سنة تقريباً بقيت على حالها: حلف دفاع مع الولايات المتحدة، وتزويدها بالسلاح الأمريكي المتقدم، وإعطاء ضوء أخضر لمشروع نووي مدني في السعودية. تؤمن السعودية في هذه الأثناء بأن تحقيق ذلك مع بايدن سيكون أسهل عليها مع كونغرس منقسم في سيناريو يفوز فيه ترامب في الانتخابات في تشرين الثاني القادم.