هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟
إن الدفاع القاري سوف يتطلب تحولا في طريقة التفكير في بروكسل وواشنطن على حد سواء. لينا كلينك – ناشيونال إنترست
مع تزايد الدعوات إلى أوروبا لتولي مسؤولية دفاعها وأمنها في واشنطن، ترتعد بروكسل خوفا في الاستجابة. لكن االتحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يحول الاتحاد الأوروبي من مجرد تابع للولايات المتحدة إلى حليف أكثر قدرة واعتمادا على النفس.
إن احتمال فوز ترامب برئاسة ثانية (وتعيين فانس نائبا للرئيس) يجعل زعماء الاتحاد الأوروبي يشعرون بالقلق إزاء أمن الكتلة الأمنية مرة أخرى. ومن الواضح أن المناقشات التي جرت في الفترة 2016-2021 حول الاعتماد الكامل على حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة في الدفاع عن الاتحاد الأوروبي لم تصل إلى نتيجة مرضية.
وفي عام 2016، ارتفع الإنفاق الدفاعي للناتو كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي لأول مرة منذ سبع سنوات. وأعادت السويد وليتوانيا، جارتا روسيا، فرض الخدمة العسكرية الإلزامية أو زيادة مدتها. وفي بروكسل، أدخلت مراجعة خطة العمل الدفاعية الأوروبية الحاجة إلى أن يهدف الاتحاد إلى “الاستقلال الاستراتيجي” لأوروبا، وزاد الاتحاد الأوروبي إنفاقه العسكري وأضفى الطابع الرسمي على هيكله للتعاون العسكري وفقا لذلك.
وفي الفترة ما بين عامي 2018 و2021، بادرت بروكسل أيضا إلى إنشاء صناديق الدفاع الأوروبية، مما مكّن الاتحاد الأوروبي من تمويل حمايته بشكل جماعي وطالب الدول الأعضاء بتخصيص “ما لا يقل عن 20% من ميزانيتها الدفاعية للمعدات، و2% للتطوير التكنولوجي”، وتخصيص 90 مليون يورو لتمويل أبحاث الدفاع على مستوى الاتحاد من عام 2016 إلى عام 2020 على وجه التحديد و13 مليار يورو بين عامي 2021 و2027 لسياسة الدفاع الصناعي بشكل عام.
لقد شملت التغييرات التي طرأت على التعاون العسكري بين الدول الأعضاء جهودا لتنسيق الإنفاق العسكري وتحديد مشاريع السياسة الأمنية المشتركة. وتشير مثل هذه الرغبة في التعاون، وزيادة الإنفاق، إلى استعداد الاتحاد الأوروبي لأن يصبح أكثر من مجرد “كلب أليف في يد أميركا” ــ على الأقل في الوقت الراهن.
وتسبب المناخ السياسي على حدود القارة بدفع الاتحاد الأوروبي نحو التفكيرباستراتيجية أمنية مستقلة، لاسيما في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية. وساهمت تصريحات ترامب في وصف حلف شمال الأطلسي بأنه “عتيق” وغير قادر على تلبية أهدافه الإنفاقية بجعل التغيير في الترتيب الأمني الذي يبلغ من العمر سبعة عقود أكثر احتمالا.
إن هذا التغير في الاهتمام بالقدرات الدفاعية يشيرإلى أن التقدم الأمني الأوروبي يظل ردة فعل للتهديدات التي تواجه أمن الاتحاد الأوروبي. ولم يمنع القارة العجوز من تطوير وسائل الحماية الذاتية سوى إيديولوجية قادتها التي تركز على الاعتماد على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للحصول على ضمانات أمنية راسخة.
ولطالما كان النفوذ الأميركي في القارة يهدف إلى الحفاظ على اعتماد الاتحاد الأوروبي على الولايات المتحدة، ومنعها من التحول إلى منافس كفء. ففي عام 2010، وصفت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الأمن الأوروبي بأنه “أكثر من مجرد مصلحة استراتيجية” و”تعبير عن قيمنا”، والتي “لا يمكن ولا ينبغي لنا أبدا أن نكسرها”.
ولكن بعد سنوات من الوعود الشاملة بحماية أوروبا، والتي كانت في بعض الأحيان مثبطة للهمة عن بناء القدرات الأمنية، يبدو من غير المستغرب أن يكافح الزعماء الأوروبيون في مهمة تعزيز قدرة الاتحاد على حماية نفسه والاعتماد بشكل أقل على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
إن التحول الحقيقي في عقلية واشنطن من الرغبة في إبقاء أوروبا تابعة لها نحو الدعم الحقيقي لأوروبا بحيث تصبح ندا للولايات المتحدة وحليفا أكثر قدرة هو ما يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي ليبدأ عملية الاعتماد على نفسه في الدفاع والأمن.