ما الذي انتهت إليه القمة الأوروبية في بروكسل؟
اختتم زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قمتهم الرسمية في بروكسل بتوصُّلهم إلى مجموعة من النتائج، ومنها:
1– تجديد وتعزيز الالتزام الأوروبي تجاه أوكرانيا: كرر الاتحاد الأوروبي إدانته الحازمة للهجوم الروسي على أوكرانيا، وأكد من جديد دعمه الثابت لاستقلال أوكرانيا وسيادتها وسلامة أراضيها وحدودها الأصيلة المعترف بها دولياً، ولا سيما الاعتراف بحق الدفاع عن النفس ضد الهجوم الروسي، كما أشار المجلس الأوروبي إلى التزامه الثابت بمواصلة تقديم الدعم السياسي والمالي والاقتصادي والإنساني والعسكري والدبلوماسي القوي لأوكرانيا وشعبها لأطول فترة ممكنة، كما شدد المجلس على الحاجة الملحة إلى تسريع تسليم الصواريخ والذخيرة، ولا سيما في إطار مبادرة المليون طلقة من ذخيرة المدفعية، وتزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي.
هذا وقد كرر المجلس الأوروبي دعوته إلى ضرورة إحراز تقدم حاسم، بالتنسيق مع الشركاء، بشأن كيفية توجيه الإيرادات الاستثنائية التي تحتفظ بها كيانات خاصة والناشئة مباشرةً عن الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا وتعافيها وإعادة إعمارها، بما يتفق مع الالتزامات التعاقدية المعمول بها، وفقاً لقانون الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي.
على الجانب الآخر، فشل الاتحاد الأوروبي في اعتماد 50 مليار يورو لتوجيهها إلى كييف بسبب الفيتو المجري، ولكن من المتوقع أن يعيد زعماء الاتحاد الأوروبي، الذين يفضلون التوصل إلى اتفاق يدعمه جميع الأعضاء، النظر في هذه القضية في قمة طارئة في نهاية يناير أو أوائل فبراير 2024؛ إذ أوضح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الاتحاد الأوروبي “ليس محظوراً” من تقديم المساعدات العام المقبل، مضيفاً أنه يشعر بأن أوربان لديه حافز للتوصل إلى اتفاق.
2– فرض المزيد من العقوبات على موسكو: لا يزال الاتحاد الأوروبي ماضياً في خطته الرامية إلى إضعاف قدرات روسيا على شن حربها ضد أوكرانيا، بما في ذلك عن طريق زيادة العقوبات ضد موسكو؛ لذلك وافق زعماء التكتل على فرض الحزمة الثانية عشرة من العقوبات على موسكو، التي تستهدف صادرات روسيا المربحة من الماس، وتسعى إلى التشديد على سقف أسعار النفط، وهي عقوبات من المقرر دخولها حيز التنفيذ اعتباراً من الأول من يناير 2024.
وفي السياق ذاته، تتضمن حزمة العقوبات تدابير أخرى تتعلق بمنع روسيا من الحصول على السلع ذات الاستخدام المزدوج، من خلال اشتراط شركات الاتحاد الأوروبي على نظرائها في بعض المنتجات، بالتوقيع على عقود تحظر إعادة التصدير إلى روسيا، كما تم تضمين إجراء إخطار للمواطنين الروس أو الكيانات في روسيا الراغبة في تحويل أكثر من 100 ألف يورو (109.9 ألف دولار) خارج الاتحاد الأوروبي.
هذا وقد أدان المجلس الأوروبي الدعم العسكري المستمر لروسيا، الذي تقدمه كل من إيران وبيلاروسيا وكوريا الشمالية، كما حث جميع الدول – في إشارة ضمنية إلى الصين – على عدم تقديم الدعم المادي أو غيره من أشكال الدعم لموسكو.
3– المضي في مسار توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي: أشار القادة الأوروبيين إلى أن التوسعة تمثل استثماراً جغرافياً استراتيجياً في السلام والأمن والاستقرار والازدهار، باعتبارها محركاً لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين الأوروبيين، وتقليص الفوارق بين البلدان. وبناءً على ذلك، اتفقت جميع دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة باستثناء المجر، التي أجبر رئيس وزرائها على مغادرة غرفة الاجتماع قبيل بدء عملية التصويت على القرار لتفادي موقفه المناهض للقرار، على فتح باب مفاوضات الانضمام مع أوكرانيا ومولدوفا، وكذلك منح جورجيا وضعية المرشح، بمجرد تنفيذ الخطوات ذات الصلة المنصوص عليها في توصيات المفوضية الصادرة في 8 نوفمبر 2023، التي تتعلق بالشروط النهائية المتبقية لعملية الانضمام، بما يتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي. ويعد هذا القرار خطوة تاريخية في اندماج أوكرانيا المحتمل في الاتحاد الأوروبي؛ ما يدل على التزام طويل الأمد بدعم مستقبل أوكرانيا ومكانتها ضمن المشروع الأوروبي.
وفي السياق ذاته، أكد زعماء الاتحاد الأوروبي من جديد التزامهم الكامل بمنظور عضوية الاتحاد الأوروبي لدول غرب البلقان، ودعوا إلى تسريع عملية انضمامها؛ حيث سيقوم المجلس الأوروبي بفتح مفاوضات الانضمام مع البوسنة والهرسك بمجرد أن تحقق البلاد الخطوات اللازمة الخاصة بالالتزام بمعايير العضوية.
وفي هذا الصدد، دعا القادة المفوضية إلى تقديم تقرير إلى المجلس حول التقدم المحرز في موعد أقصاه مارس 2024، بهدف اتخاذ قرار بشأن عملية انضمامها. ويبدو أيضاً أن القادة على استعداد لاستكمال المرحلة الافتتاحية لمفاوضات الانضمام مع مقدونيا الشمالية، بمجرد الانتهاء من التغييرات الدستورية المشار إليها في نتائج المجلس الذي تم عقده في يوليو 2022.
4– مراجعة الميزانية الأوروبية (2021–2027): أجرى القادة مناقشة متعمقة حول مراجعة منتصف المدة للإطار المالي المتعدد السنوات (2021–2027)، وهي الوثيقة التي تنص على ضرورة توفير موارد مالية إضافية تقدر بنحو 64.6 مليار يورو، ينبغي إنفاقها على أولويات محددة؛ منها 50 مليار يورو لأوكرانيا – وهو ما تم رفضه بسبب الفيتو المجري – وكذلك مليارا يورو للهجرة وإدارة الحدود، و7.6 مليار يورو مساعدات لدول الجوار والعالم، ومن المقرر أن يناقش زعماء الاتحاد الأوروبي مراجعة منتصف المدة مرة أخرى في أوائل العام المقبل، حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأنه.
5– مواجهة التغيرات المناخية: رحب زعماء الاتحاد الأوروبي بالاختتام الناجح لمؤتمر COP28 في دبي، الذي شهد أيضاً أول تقييم عالمي لاتفاقية باريس لعام 2015. وفي هذا السياق، سلط الاتحاد الأوروبي الضوء على أهمية الاتفاقيات من أجل تسريع خفض الانبعاثات العالمية نحو الصفر بحلول عام 2050، وهو الذي سيتم على مراحل عديدة، بحيث تنخفض بنسبة 43% بحلول عام 2030 و60% بحلول عام 2035، ناهيك عن تأكيد ضرورة تقليل استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة.
6– فشل القمة في إنهاء الحرب في غزة: في تناقض صارخ للمعايير الأوروبية، فشل زعماء الاتحاد الأوروبي في إصدار بيان مشترك حول الحرب بين إسرائيل وغزة، على الرغم من وجهات النظر المشتركة حول ما يجب أن يحدث بعد انتهاء الصراع؛ وذلك بسبب الخلاف حول ما إذا كان سيتم الدعوة إلى وقف إطلاق النار، بيد أن زعماء الاتحاد الأوروبي قد اكتفوا بمناقشة الأزمة فقط، واتفقوا على أنهم سيواصلون مناقشتها في المستقبل، ولا سيما اكتفاؤهم بتكرار تصريحاتهم السابقة بشأن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس بما يتماشى مع القانون الدولي، والحاجة إلى وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة دون عوائق.
إذ صرح شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي، بأنه “علينا أن ندعو إلى إطلاق سراح جميع الرهائن، وأن نتعامل بقوة مع الوضع الإنساني المقلق في غزة. علينا أن نكون أقوياء في دعم حق إسرائيل في الوجود والدفاع عن نفسها ضد حماس، وكذلك في الدفاع بشكل لا لبس فيه عن القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. وسيشمل تفكيرنا الأوسع العمل على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وآفاق السلام الدائم على أساس حل الدولتين”. ومن جانبه، كرر كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الحاجة إلى حل الدولتين، الذي من شأنه إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، ولكن تعارضه في الوقت ذاته الحكومة الإسرائيلية الحالية.
7– دعم الأمن الغذائي العالمي: أكد زعماء الاتحاد الأوروبي أنهم سيدعمون كافة الجهود الرامية إلى تسهيل صادرات الحبوب الأوكرانية والمنتجات الزراعية الأخرى إلى البلدان الأكثر احتياجاً، ولا سيما في أفريقيا والشرق الأوسط، وخاصةً عن طريق البحر الأسود الذي يعد أكثر الممرات أماناً واستقراراً لعبور صادرات أوكرانيا من الحبوب؛ وذلك بهدف ضمان قدرتها على الوصول إلى الأسواق العالمية.
خلاصة القول: أسفرت القمة الأوروبية الأخيرة عن العديد من النتائج البارزة التي تشير إلى عزيمة الاتحاد الأوروبي القوية في التصدي للتحديات الحاسمة، وخاصةً المتعلقة بالالتزام المتجدد تجاه أوكرانيا، وهو ما يظهر قدرة التكتل الأوروبي على التوحد واتخاذ إجراءات حاسمة بشأن القضايا الملحة، بيد أن هذه النتائج لا تزال غير مؤكدة ما دامت لم تصل إلى محطتها النهائية، ولكن قد يُظهر تأثيرها الكامل في الأشهر أو السنوات القادمة.